حسن الخاتمة
حسن الخاتمة
By
Ahmed Meiloud
شعر وكأنه
ويقف على حافة الطريق يحملق في خيالات البشر المتحركة أمام عينيه مثل الأشباح
مسرعة في كل الإتجاهات، حاول أن يتحقق في أشكالها وألوانها عل أن تقع عينه على بعض
الأوجه التي سبق وأن رآها في الماضي لكن بدون جدوى، فكلما أوشكت إحدى الصور أن
تصادفا نظيرا في مخيلته إضمحلت كسحابة صيف مخلفة ورائها ظلمة سرعان ما تتكشف هي
الأخرى عن شبح ما إن تتراءى ملامحه حتى يتحول إلى مجموعة من الخيوط السوداء
المتقاطعة قبل أن يتلاشا بدوره داخل نزيف الخيالات المتحركة أمام عينيه. غير موقعه
مرارا، تحرك نوح اليمين تارة ونحو الشمال أخرى، حاول الإقتراب، وقف ثم جلس، وضع
يديه فوق عينيه كي يساعده ذلك على التركيز عساه يستشرف إحدى هذه الصور اللعينة
الماثلة أما عينيه والتي لاهي تنقطع عن الحركة فيستريح منها ولا هي تثبت فيراها
على حقيقتها.
خاطبها
فما أفصحت، سبها ولعنها فما أبهت. أعمض عينيه فما أختفت. حاول الإمساك بها فكان
إما أن يقبض على لا شيئ وإما على كم دراعته[i]
الداكنة. رما دراعته جانبا، لكن ذلك لم يغير من النتيجة شيئا. حاول الهروب لكنه
كلما أمعن في الهرب وجد نفس الأشباح تلازمه، تسبقه إلى وجهته، تحجب الأفق
أما عينيه. يكلمها فما يجيبه إلا صداه، يركلها برجله فما يركل برجله إلا رجله
الأخرى، يقفز فتصحبه الأشباح في قفزه، يرفع بصره إلى السماء فما يرى إلا تلك
الأشباح اللعينة ذاتها، المسرعة في حركتها، الداكنة في لونها، الغامضة في شكلها
تمتد على مدى بصره تتسابق جيئة وذهابا.
رفع
يديه منكسرا مخبتا لربه،آملا أن يصرف عنه هذه الهلوسات، أو أن يمن عليه بغفوة…لكنه
كلما أنهى جولة من الدعاء فوجأ بتلك الأشباح تقطع حبل صمتها وتغرق في الضحك، ضحك
يهز الأرض من تحت رجليه كأنه الزلازال أو صوت المدفعية يوم الإنقلاب. يدعوا الله
عليها فتقهقه، أي شياطين هذه؟ يخاطب نفسه متمتما، أما تخاف هذه الأشباح رب
العباد؟ أما تعلم أن عاقبة الظلم وخيمة؟ أما تعلم أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين
الخالق حجاب؟
هاها ها
ها هيه هي هي!! ؟… تضحك وتقهقه الأشباح مرة أخرى وكأنها تسمع كلامه وتستشعر غذابه،
بل وتتلذذ به ،يحس وكأنه يسمع صدا قهقهتها يصرخ في أذنيه فيلسوف، فيلسوف،
متي تعلمت الفقه والنسك والعفاف يا أبا شامة..يضع يده على جانب وجهه كأنه يخفي
شيئا ما.
يبدأ الحديث مع نفسه: لابد أنها
سادية هذه الأشباح، لا بد أنها تفهم ما أنا فيه من البلوى، لابد وأنها تريد
تعذيبي، يسر لنفسه، لكنني لن ألين ولن أنحني!! ها!! حاول أن يتملك أعصابه ويستجمع
قواه إستعدادا لما تخفيه اللحظات القادمة، غير أن الأشباح إستمرت في حراكها أمام
أحداق عينيه وبسرعة لم يتعود عليها، أصيب بالدوار فسقط، شاهدها للمرة الأخيرة
تتجمع حول بعضها البعض مكونة صفوفا متراصة كتشكيلات القواة المسلحة أيام الأعياد
الوطنية، تقترب منه وتبصق في وجهه، تصيح وتخاطبه بلغة لا يفهمها! رباه لو أن لي
ترجمانا يفهم جلبة وصياح هذه الأشياء، إختفت من إمام عينيه ولم يعد يراها لكنه
يحسها وهي تجوب كل أجزاء بدنه وكانه أصبح الجسر الوحيد إلى كل كنوز الدنيا!! بدأت
أنفاسه تخفت تحت وطأة أقدامها الثقيلة، وأحس كما لو أن روحه شرعت تفارق جسمه،
أخذته رعشة شديدة شعر بها كل من حوله، أولاده وزوجته، وفريق الحجابة[ii]
الواقف عند رأسه منذ أيام متسلحين بالجداول وأسرار الحروف، يخرج الجميع من القاعة
مذعورين لهول المشهد، غير أن الشيخ أبو النرجس الذي ظل طيلة الفترة الماضية يقرأ
كتب الأجداد أخبر الأهل أن ذلك من علامات حسن الخاتمة!!
تعليقات
إرسال تعليق