تجديد الدين: سفر العبيد



تجديد الدين: سفر العبيد
_____________________


في مكان ما من بلاد الله حيث تنتشر العبودية، قرر العبيد أن الطريق الأفضل للحرية هو محاكاة ملاكهم، أو على الأصح أبناء ملاكهم.


كان جوهر ما لفت انتباه العبيد أن لأبناء الملاك أوقاتا يلعبون فيها. قرروا أنه من اللازم أن يكون لهم هم أيضا وقت يلعبون فيه، ويرفهون عن أنفسهم، إذ كيف يتسنى للمرء أن يكمل انسانيته دون حريته وكيف لحريته أن تكتمل دون لعبه. وهكذا فرض العبيد يوما لللعب.

ثم لاحظ العبيد أن أبناء الملاك يأكلون فيوغلون في البطنة، فقالوا أنه لابد وأن يتمتعوا هم أيضا بنفس الحقوق. فالحق الذي لاغبار عليه هو أنه لا إنسانية بدون الحرية، ولا حرية مع البطون الخاوية، فالمرأ يجني من الحرية بقدرما أرتفع حجابه الحاجز


وهكذا صار من حق العبيد أن يشبعوا وأن يصابوا بالسمنة كما يصاب بها أبناء الملاك


ثم لاحظ العبيد أن أبناء الملاك ذوو مسالك مبتكرة في ارتباط رجالهم بنسائهم. كان هذا على خلاف حياة العبيد، فقد كانوا نظرا لضيق ذات اليد، وطبيعة الكد، وروح التعاون، ونفس الأخوة ميالون للمحافظة في العلاقات، مهتمون بقيمها، واستمرارها، لابمظاهرها، وتنوعها. كانت حياتهم عناء في الواقع، وليست تهويما ورومانسيات في الفضاء


قرر العبيد أنه من حقهم كما الحال مع أبناء الملاك أن يخلعوا أدران المحافظة، ويكسروا أواصل الصلة، ويرققوا غليظ المواثيق، ويستبدلوا بالعرف و العشرة دهش الجديد، وأبهة العدد والعديد. وكان وراء هذا الاتجاه فلسفة مقنعة، وفكرة ممتعة قوامها أنه لا معنى لحياة لا يعيش الفرد فيها أقصى ما يمكن أن يتاح، وأعلى وأحط ما ترى الأعين وتلمس الراح. وكيف لا، ولا وجود لظل انسانية وارف دون حرية، ولا حرية إذا كانت العادات و الأخلاق تكبلك وتقيدك. فالله لم يخلق المرء ليعيش مواثيق وعقودا تكبل رقبته، وتكبت شهوته، وتحد تأثيره، وتفسد غزوه وغروره


وهكذا انتشر بين العبيد ماكان شاع بين أبناء الملاك من تفكك الأواصر، وقلة التناصر، حيث صار لكل فرد معاركه الأولى ومشاغله الأجلى، فقد شغلت الأذهان بالأبدان، وبدل الخلان بالأخدان، واستعيض عن الناصح بالمادح


بقيت القيود في الأيدي و الأرجل، وشد وثاق الأعناق، وزادت ساعات العمل، لكن لا مشكلة في الأمر، فقد أصبح ثمة يومان للراحة و الإستجمام، ونعمة سمنت منها الأبدان، ومعارك وغزوات أشبعت اندفاع الغرائز وأبردت جماح العزائم


لكن مشكلة واحدة بقيت تأرق أفراد مجتمع العبيد، يشعر كل واحد من هذه الطبقة في الساعات التي تسبق نومه، عندما يخلوا بنفسه فجأة، أنه لازال ثمة فرق بين أبناء العبيد وأبناء الملاك. لكن هذا ليس أكبر باعث للأم


إن أكبر شعور بالخيبة و الأسى هو كون المرء لا يمكن أن يكلم الآخرين عما يجري.

 الأسباب كثيرة. منها أولا، أنه من العيب أن يشكوا سمين منعم، ذو جولات وصولات، وأبهة ومظهر من استعباده. إن الشكوى تفضح الحال، والتورية تبقي ماء الوجه. ثانيا إلى من ترى يشكو، أليس على علم أن البقية غارقة حتى أذنيها في شؤونها الخاصة، كل خال بذاته منغمس فيها، ومستعبد لها، سادر في غاياتها، مستبق لحياته من أجلها

و ثالثا أليست هذه طبيعة الحياة


في تلك اللحظات القليلة من الصراع مع الضمير يسكت البعض الصراخ المنبعث من الأعماق بكتابة قصيدة كفاح، ثم ربما سماها تجديد الدين، أو تجديد منهج الحياة

هي فكرة عبقرية، فمشكلة الخلاف تحل بتغيير التعريفات

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هذا الذي جعل الألباب حائرة و صير العالم النحرير زنديقا

Hadith

مكانة العقل في فلسفة الإسلام