خطايا تزكم الأنوف




قديما لا حظ أبو العتاهية نعمة خاصة من نعم الله لا يفطن لها الناس و لكنها جميلة و عظيمة

"أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح...فإذا المستور منا بين ثوبيه نضوح"

لكن لا عليك يا أبا العتاهية. بالفعل يستر الله الخطايا، وما من شك أن من ستره أنها لا تفوح في الأحوال العادية، لكنها تفوح بعد كل إنقلاب.

هاهم المصريون يتعلمون بشكل مقيت هذه الأيام أن من فضائل الإنقلاب أنه تتاح لك فرصة النظر إلى الجانب السفلي مما يقلب...بجميله و قميئه.

ها قد قلبت الأغطية التي كان يستتر ورائها من غنّى بإسم القيم، ومن تغنى بإسم الدين و الوسطية، ومن تكلم بإسم اللبرالية.

وها هي خطاياهم تفوح، تزكم الأنوف، تقذي العيون، و تشعر المرأ بالغثيان...

"فزبالة و أستبدلت بزبالة أخرى و لم تستبدل الكيزان"

نعم ها هي ذي مصر: شيوخ يبيحون قتل النساء و الأطفال، و يتملقون الطواغيت...يغرونهم بخصومهم أن "أضربوا بالمليان" وسيروا فإن الله و رسوله معكم---أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقلون على الله ما لا تعلمون؟

نسوا ذكر الله فنسوا أنه لا يأمر بالفحشاء، فكيف بسفك الأنفس التي حرمها بالفرد فكيف بها بالآلاف. نسو أن رب العباد حرم قتل نفس نكرة، فما بالك بمؤمنة

...ونسوا أنه سيأتي يوم وعد فيه الخالق--الرحيم نعم، ما من شك، لكن الخالق الجبار، المنتقم بدون لبس--لجهنم بأن تملأ...

و من وراء هؤلاء لبراليون و علمانيون، و فنانون راقون و نخبة لا تهجر أنخابها، لم يبق لكل هؤلاء سبة رموا بها الرجعية إلى عاقروها جهارا نهارا. و ليتهم أكتفوا بالتكفير (لينا رب و ليكم رب)، أو بالتخوين، أو بالرمي بالعمالة، أو بتشبيه البشر بصغار وكبار الضأن و المعز. ليتهم أكتفوا بالبهتان و الزور، ليتهم أكتفوا بتكميم الأفواه، وممارسة ديموقراطية الإقصاء التي عرفنا أن كثرة كلامهم عنها كان مردها إلى إختصاصهم فيها... 

ليتهم إذ كفروا بقيم المجتمعات التي خرجوا منها كارهين لها، متهكمين عليها، مستهزئين بها، ليتهم إذكفروا بها آمنوا بما تشدقوا به حقبا من الدهر...ليتهم آمنوا بحقوق الإنسان أو الحيوان، بقيم فترة عصر "الأنوار"، أو قيم "الحداثة" أو "ما بعد الحداثة"، ليتهم أظهروا علما أو فلسفة، و ليس أحاديث "ضرب الجزم، "وضرب الوجه و القفا" 

بل ليتهم أكتفوا بكل كبائر الموبقات دون قتل الأنفس... 

ليتهم كانوا التزموا فعل نساء قوم قال عنهم هاجيهم:

" يانجل تغلب ما ذا بال نسوتكم لا ....إلخ."

لكنهم ما كانوا ليفعلوا... قتلوا، باللسان و بالسنان،

ثم لما أن قتلوا، لم يكن في قتلهم تمييز...الطفل الرضيع كالشّاب اليافع كالشيخ المسن. الكل قتل بدم بارد...

ثم ليتهم بعد كل هذا رحموا الموتى...

لا لم يأتوا على قمصان قتلاهم بدم كاذب لأن إبقاء القمصان فيه إبقاء لبعض متعلقات أهلها، وأهلنا المتنورون مولعون بإشعال النار...!

لا لم يكفهم من الموتى أنهم ماتوا...بل أحرقوهم لكي لا يبقى باب من البربرية إلا وطئته أقدامهم...

من لم يشارك في مهرجانات التقتيل و الحرق، طبّل وزمّر و غنى لها...

أحاسيس شعرائهم كمشارط جزاريهم، و كيف لا و القلوب متكلسة، والأيدي فاجرة، و الأفواه مصانع للزور يخرج منها مسرعا --كحمر مستنفرة فرت من قسورة-- خوفا على نقائه...

بلى لقد أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح، لو فاحت خطايا هؤلاء أكثر مما هو حاصل لتقرحت أكباد أهل الدنيا، شرقيهم و غربيهم، على ما أصابها من القساوة و التحجر.

سيبقى عزاء المظلومين و المكلومين--سيواسي من ثكلت في إبن، ومن رملت في زوج، أو يتمت في أب أو أم أو هما معا، أن ماطف على أحبابهم سيطوف على سفكة دمهم.

وطعم الموت في أمر حقير ...

وكأن أبا العتاهية يلتف إلى هؤلاء الجزارين ليقول...

"ﻧﺢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻚ ﻳﺎ ﻣﺴﻜﻴﻦ ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺗﻨﻮﺡ
ﻟﺘﻤﻮﺗﻦ ﻭﺇﻥ ﻋﻤﺮﺕ ﻣﺎ ﻋﻤﺮ ﻧﻮﺡ " 

و عند الله تجتمع الخصوم... ولا يظلم ربك أحدا!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"تحليل التراث الإسلامي"

هذا الذي جعل الألباب حائرة و صير العالم النحرير زنديقا