أسطر في سيكولوجيا الإنتخاب في موريتانيا
هناك حملتان. حملة الإنتخاب وحملة المقاطعة.
الأولى يكره طرفاها بعضهما البعض لكن لا يريد أي منها أن يقطع سلك الإتصال قبل يوم العرض. ليس من مصلحة المشرِّعين خروج من بحضورهم يكسبون الشرعية، كما ليس من مصلحتهم فوزهم على الأقل في الدوائر المهمة. المشاركون يعرفون أن المسألة ليست عدد ناخبين بقدر ماهي صراع إرادة، و بالتالي لن يصمتوا عن النظام و لن يغضبوه كثيرا علّ وعسى أن يتورع في بعض الدوائر. هي قصة لعبة شطرنج بين زبيدة و هارون نسي كتّاب التاريخ أن يوثقوا تفاصيلها.
المشرِّعون يكرهون الحملة لكنهم يكرهون يوم الإنتخاب أكثر. في الحملة سيُنشر غسيلهم بمباركة القانون على طول الوطن و عرضه و ليس فقط على شاشات كمبيوترات المثقفين المتلونين و المبدئيين، تلك عادة لا يمكن خرمها!
الحملة تنتهي، لكن نتائجها ستبقى حتى الإنتخاب أو الإنقلاب القادم (موريتانيا دولة مستقرة ولذا لا يوجد فيها إلا خياران كلاهما يصحبه التصفيف و يعلق عليه المثقفون و الفنانون و العلماء الأفذاذ. في كلا الخيارين يفتح للعسكرين المجال لمخاطبة المدنيين، فهما عيدا العسكر عندنا، كما هما عيدا بقية الفئات). لذا فيوم الإنتخاب هو يوم الفزع الأكبر: تفتح الجيوب، و تهدر القيم، و يحلف الناس على كذبهم وجها لوجه بدل التخفي وراء الميكروفونات أو قطرات الحبر.
في يوم الإنتخاب يحتاج المشرِّعون إلى الحساب و إلى التطبيق، إلى التأكد من الخروج بمعادلة هم من يرسمها، تكفي لكي يقتنع فريق بنزاهة الإنتخاب، و فريق بكرم القيادة العليا، و فريق بأنه لم يخسر كل شيئ، و لكي يتاح للمقاطعين فرصة قليلة للشماتة تزيد من حساسيات المعارضة ولا تكفي لكي يشعر المقاطعون بأن خيارهم كان الأصوب. خلق هذه المعادلة يحتاج إلى الحرفية، و العلماء، و المغنين، و المخنثين و المطلقات، و خريجي الجامعة العاطلين عن العمل.
المشاركون، يكرهون أيام الحملة الأولى لأنها حملة عليهم. و يتنفسون في وسطها لأنهم لم يقض عليهم بعد. مع إقتراب موعد الإنتخاب يتراكم التفكير ألشر جذب ساكنة القصر الرمادي بالمعارضين المشاركين؟ أم أنها مداعبة بين القطط و الفيلة لا تعبر عن الحب ولا تبني عليها أحكام!
طبعا ككل الجماعة يكرهون يوم الإنتخاب ويخافون بشكل أكبر الأسبوع الذي يليه. آه لو أن الأسابيع تطوى. طبعا هو خوف يصحبه أمل. هم يكرهون يوم الإنتخاب لسببين: أولا يكرهونه لأنه الوقت الذي سيدرك فيه شهر زاد الصباح، وستمنع من بعض الكلام المباح. لن يكونوا حينها أكثر من حزب معارض مشارك كما كانوا في الحملة حزبا مشاركا معارضا. في الحملة كانوا قليلا من الليل ما يهجعون: معارضة في الصباح و في المساء، بصورها، بأبواقها، بأناشيدها، بخيمها و مقارها. بعد الإنتخاب سيرجعون إلى المعارضة ببياناتها المتقطعة و مسيراتها المتباعدة، و ثوراتها الصوتية الباهتة.
ثانيا: بالنسبة للمشاركين يوم الإنتخاب هو يوم حصاد العميان، لا يدري المرأ هل كان يملأ جرابه أم يهرق الحب على الأرض. هو يوم حرب مع أشباح لابد أن تقذفها بكل قوة لكنك لا تعرف أتصيبها أم تخسر جهدك بلا طائل. إن تقذف فقد تصيب وقد تخيب، وإن تمتنع شبهت بأم الحليس.
الحملة الموازية أو المقاطعة هي حملة في الأساس على تواصل، لأن الحملة على النظام تكرار ممل لما يقوم به تواصل بالماضي، بشكل علني و مؤسسي، ينقض سياقه مضمونه. ليس من الحكمة أن يلعن المرأ أهل النار إن كان من أهل الأعراف ما دام أن أهل الجنة يقومون بالواجب. أهل المقاطعة يكرهون الحملة لأنها تنتج ما يدّعون بكل رحابة صدر. لكن السخرية في الحملة لا تخلق ثورة، سواء كتبت على الفيس بوك أو أذيعت على أبواق الحملات. إنها مثل لغو الكلام (إدصارة) في الأعراس لا تغيير من قيم المجتمع، وإن كانت تخفف من الشعور بالكبت و التناقض، ربما. يوم الإنتخاب، أشد وقعا على المقاطعين من الحملة ذاتها لأنه هو اليوم الذي سيبدو فيه كما لو أن حركة ما تحصل على الأرض، و المقاطعة مقاطعة للعمل-- هي حملة مفتوحة من الكلام، تنغصها الفواصل، و تتبعثر أمواجها الصوتية وقت الحركة.
سيكون الدين أكثر الحاضرين الغائبين في يوم الحملة، سيستغفر الناس و هم يسرقون، و يكذبون، ويخدعون، تماما كما يصطحب بعض طلاب العلوم الشرعية نسخا من القرآن إلى دروات المياه وقت الإمتحان ليتعرفوا على الآيات التي سألوا عنها، وربما رموها على الأرض إن خافوا من مراقب حذقا أو مباغتة!
عندما تغرب الشمس سينتشي الجميع. بالنسبة للمشاركين إنتظار العذاب أشد من وقوعه و الأمل أحسن من الألم ولقد قيل ما قيل، تجار دين، وسراق مشاريع خيرية، وخونة ونقاض عهد، و هل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها، ثم إن غالبيتهم تربت على كل حال على إنتظار غير المنتظر و التغني بالمظلمة نازلة و نافلة، وسيبقى كل المصحف مفتوحا. في إنتظار النتائج، تلاوة عطرة لقول الله جل شأنه: قل لن يصيبنا...إلخ. وبعد النتائج خيار بين إذا جاء نصر الله أو "وعسى أن تكرهوا شيئا و يجعل الله فيه خيرا كثيرا!"
بالنسبة للمقاطعين قد يستمعون أول الليل إلى سيدة الغناء العربي تغني... "هذه ليلتي"، وربما إفترقوا آخر الليل على "مقادير، مقادير....مش ذنبي أنا"!
أما بالنسبة لأتباع عزيز فسيتبن لهم الخيط الأبيض من الأسود، بين من سيشارك في الغنائم و يُخرج و يحرق بيمينه بيان إلتحاقه بالمعارضة الناصحة أو الناطحة، وبين من سيذرف دموعا من الحسرة يسطر بها أسطرا أخرى في بيان إنضمامه للمعارضة. في السطور سيكون ثمة كلام في الأشهر الأولى عن البطانة السيئة، وعن تعمدها إخفاء الحقائق عن القائد العظيم، ثم في نشرات لاحقة إن لم يعر أهل القصر الرمادي اعتبارا له أضاف إلى البطانة من يتبطنها!
تعليقات
إرسال تعليق