المعلقون و الإسلاميون: كلمات على الفيس بوك


لاحظت هذا الصباح و شاركت في بعض التعليقات بخصوص الحملة الدائرة في موريتانيا، و سأزيد هنا كلمات. 


ثمة عقدة متجذرة في وعي أو لا وعي قدر معتبر من النخب نحو التيارات الإسلامية. وهي عقدة عويصة. أساس العقدة هي أن هؤلاء يظهر من كلامهم و العلم عند الله أنهم غير قادرين على، أو غير راغبين في أو غير مهتمين بـــ (لا فرق في المحصلة العامة) العمل الرسمي بإسم الإسلام أو بإسم خدمته. لكن في نفس الوقت يدركون أن أولئك الذين يعملون أو يسعون لأجل الإسلام أو يدعون أو يدّعون العمل بإسمه لا تمكن منافستهم بأساليب نزيهة في مجتمع مسلم يقدر ويثمن الروح و المثل الإسلامية، و بالتالي فالطريق إلى التعامل مع هؤلاء هو في التشكيك بإسلاميتهم. أي مثلا وصمهم بالإسلاموية، أو التأسلم، أو غيرها، وهي--أي هذه المفارقة المضحكة-- ممارسة تكفيرية بإمتياز لا تختلف عن ما يمارسه بعض شذاذ الإسلاميين من تكفير المخالف.


طبعا هذا لا يعني كون بعض و ليس كل الإسلاميين لا يقعون في إطار عملهم السياسي في أغلاط كبيرة، مثل التصريح و التلميح بأن رجالاتهم ربما أكثر قربا من غيرهم إلى روح الإسلام، وهي مسألة لا تخلوا من إحدى ثلاث. أولا، في وجه العلمانيين الرافضين لقيم الإسلام، لا تغير شيئا لأنهم أصلا يرون أنه مجرد إختراع تاريخاني أو إلى ما هنالك من الترجمات اللغوية المقصود منها القول بأن تشريع القرآن كله أو بعضه هو إبن بيئة غير البيئة التي نعيش ولذا فإن السعي إلى تطبيقه أو الإستنارة به في عالم اليوم هو نوع من ما تمكن ترجمته أناكرونولوجي--إدراج المسألة عسفا في غير سياقها التاريخي. وثانيا، في وجه المؤمنين تزكية للنفس لا تفتح الشهية. وثالثا، في وجه العامة تلميح إلى غير ملموح ومحاكاة للإستغلال التقليدي لمشاعر الناس. طبعا أنا أفرق ما بين الخطاب الرسمي للأحزاب و خطاب الأتباع، فهذا الأخير لا يمكن حصره و ليس من الإنصاف الحكم عليه بخصوص أي طرف. 


ومع ذلك ورغم الإعتراضات الثلاث الواردة هنا فإنه يمكن القول أنه بخصوص الأخيرة و هي التي تشغل بال النخب لأثرها الإجتماعي، و الإنتخابي، أنها لا تختلف عن وسائل الإستعطاف الأخرى و عمليات البرمجة الإنتخابية التي تحصل تحت مسميات أخرى. 


طبعا الإسلاميون لم ولن يكونوا، كما لم و لن يكون غيرهم، ملائكة، أي أناسا لاتجد من بينهم من يذنب، و ينحرف، لذنوب غريزية أو ثقافية (الفرق بين الزنا و شرب الخمر مثلا...). لكن إصطياد هفوات هؤلاء وإستباحة إشهارها، في الوقت التي يقاوم فيه المرأ الحديث عنها عندما يمارسها من يرى أو لا يرى أصلا غضاضة في إرتكابها، ممارسة متناقضة، أو على الأقل تحتاج شرحا غير تقليدي. هفوات من يسعون أو يدعون الفضيلة كبيرة لاشك لكن في سياق من يشترك مع أصحابها في نفس الإتجاه و يقبل معهم نفس المسلمات. و من لا يرى ذلك، فهو كمن يعيب على قس نصراني أنه حج سرا. 


لكن المهم أن الإسلاميين إنبروا و زعموا أنهم يقدمون عملا سياسيا من أجل الإسلام، ولذا فالبدائل أمام معارضيهم هي. أولا، عدم الإعتراف بأهمية العمل من أجل الدين. و في هذه الحالة فإن الحديث عن كونهم مفسدين أو فاسدين فيما يتعلق بقيم الشرع يكون غير وارد، لأن الخطاب ينبغي حينها أن يتوجه إلى إنتقاد القيم التي يؤمنون بها و ليس ممارساتهم هم. ثانيا: الإعتراف بأهمية العمل الإسلامي. أي أهمية العمل من أجل أن تعود و تسود قيم الإسلام العمل العام. وفي هذه الحالة فعلى من يقبلون بهذا أن ينافسوهم فيه و لهم الحق كل الحق أن يوضحوا أنهم أقرب في هذا المضمار من الإسلاميين المجودين --ولنسمهم التقليديين--إلى قيم الإسلام فكرا و ممارسة. وعندها يكون الصراع السياسي إسلاميا إسلاميا و تنافسا في من يبرز القيم الإسلامية و من ينافح عنها أكثر. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. 


في موريتانيا البلد الإسلامي، حسب معرفتي كل الأحزاب السياسية تجد في خطابها أو دستورها آية من كتاب الله. ولذا حقيقة لا أرى أن المثقفين الموريتانيين يجب أن يشغلوا عقولهم بإسلامية أو عدم إسلامية الأحزاب، لا بالموجب و لا بالسالب. ما أراه هو أنه يجب أن نحاكم الأفراد و الأحزاب على أساس ما يقدموه في إطار خدمة الشعب، من إشاعة للعلم، أو تسهيل لناحية من نواحي الحياة، أو تقريب بين طوائف المجتمع وخصوصا ردم الهوة اللغوية و الثقافية، و الحساسيات العرقية و الطبقية، بعيدا عن التخوين. 


كون البعض يسمون أنفسهم إسلاميين يجب أن لا يكون عامل تحسس عند البعض الآخر الذي يجب هو الآخر أن يعمل للإسلام بأسلوبه الذي يراه. طبعا ما ينطبق على هؤلاء ينطبق على هؤلاء في المقابل. كون الإسلاميين إختاروا أسلوبهم لا يمنحهم الحق في التشكيك في إسلام الآخرين أو التلميح إلى دونيته


عمليا أنا لا أعرف كيف يتسنى للناس حساب إسلام أو تقوى فلان أو علان، مع أن الرسول صلى الله عليه و سلم أشار إلى صدره ثلاثا عندما أراد تحديد موضع التقوى...التقوى ها هنا
تماما كما لا أفهم التشهير بالناس في المسائل غير العامة و خصوصا مع غياب الأدلة

طبعا يمكن أن تعارض هذه الأفكار بأفكار كثيرة لكني سأختار واحدة منها تحضرني الآن و سأسميها فكرة التسطيح. وهي القول بأنه ما الداعي إلى أن يدعي فريق أنه يعمل من أجل الإسلام، أو يحاول ذلك وخصوصا أن لهذا الفريق نفس الهفوات التي تراها مثلا في الفريق الثاني. لم لا نقبل أن لا نذكر الإسلام في السياسية من أجل أن نكون صريحين مع أنفسنا فنحن كلنا سواسية في التقصير. هذا المنطق يكون سليما عندما يكون النوم الجماعي للعاملين و غير العاملين في بلد ما مثلا حلا لمشكلة البطالة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"تحليل التراث الإسلامي"

هذا الذي جعل الألباب حائرة و صير العالم النحرير زنديقا