ماسحو الأدمغة و المثقفون الفردانيون
ستخرج المتناقضات في العالم العربي كله و ستكون ثمة حروب ضروس من أجل الإستقلال. إنه صراع بين ٢٠٠ عام من مسح الأدمغة و ١٠٠ عام من محاولة تأهيلها. كان الصراع يجري على الهوامش لكن ماسحي الأدمغة الممسكين بزمام المبادرة لم يعد بإستطاعتهم أن يبقوا من أعيد تأهيلهم خارج السياق لأن هؤلاء لم يعودوا يرون أنهم كتب عليهم أن يعيشوا على الهامش فكريا و ثقافيا و حضاريا في ديارهم.
المعركة في الأطراف حسمت كل أخذ نصيبه منها بلا رجعة. لكن الطبقات الوسطى العليا لا تزال عصية مع أنها كسبت ثقافيا إلى حد بعيد. هذه الطبقات تبقى مرعوبة من شبح التغيير ولذا فهي رهينة لمن يملك العصا و الجزرة.
حتى المعركة الثقافية حسمت. لم تعد أجهزة مسح الأدمغة قادرة على مسح الكثير من الأشياء و على نطاق واسع. و لذا إستعيض عن ذلك بعملية التشويش: أي محاولة تمييع المصطلحات و تشويه الأفراد. التشويه قد يكون أخطر من غسيل الدماغ لأنه يقصف العقول بسموم مغلفة في قوالب الفكر المحلي.
في هذه المعركة. يمتلك غسلة الأدمغة و مشوشوها في بلادنا خزانين أساسين من النبال. الباحثون عن الامجاد الفردية، سواء كانوا من السياسيين أو المفكرين. هؤلاء لا يهم إلا أنفسهم. المفكرون هم أهون هؤلاء استغلالا وأبعدهم أثرا. ففي حين يعرف غسلة الأدمغة أن السياسي قد يعينك على تخلف المجتمعات، و على التسلط عليها إلا إن التعامل معه يخلق مشكلتين.
أولا: يظلم فيُكره، وبدفع الناس بذلك إلى عدم الراحة و إلى البحث عن البدائل. ولذلك تبقى قضية فترة صلاحيته مسألة عسيرة التحديد، بل و قد يخلق من المشاكل ما هو أكبر على المدى البعيد من ما يحل، من وجهة نظر ما سحي الأدمغة.
ثانيا: إن السياسي حربائي، إن رأى مصالحه مع غيرك من ماسحي الأدمغة، أغلق الهاتف في وجهك. لكن هذه أخف المشكلتين على أي حال.
أما المثقفون الباحثون عن الأمجاد الفردية. فهم أفضل عون لغسلة الأدمغة. لأنهم يعملون من أجلك سواء عرفتهم أم لم تعرفهم، و سواء أقمت معهم معاهدة أم لم تقمها. نرجسيتهم تجعلهم دوما يبحثون عن ما يناقض بل و يحارب ما تتوافق عليه نخب المجتمع ممن سلم من عملية الغسل أو ممن تمت إعادة تأهيلهم.
المثقفون الفردانيون هم أكبر موزع لأقراص الدونية الثقافية و الحضارية، ولذا فهم أبلغ من أي عملية غسل دماغ. لا جاحة لك بغسل دماغ من يشك في أن له دماغا أصلا، فلربما أكتشف في أثناء عملية الغسل أن له دماغا، وفكر.
من أخذوا أقراص الدونية الحضارية من المثقفين لايفكرون، لأنهم يعتقدون أنهم مثقفون. فمن فقد بصره في كهف لا يهتم أأسرجت سراجا أم لا!
إن تحررت الطبقات الوسطى العليا من الخوف و الجوع، ومن أخذ جرعات الدونية الثقافية لن يبقى هنالك من يصفق لمن يطلق عليك الرصاص!
تعليقات
إرسال تعليق