دعوة لمحاولة قراءة الدولة الإسلامية

الكثيرون يقولون أن الدولة الإسلامية صناعة مخابرات غربية. و البعض يقول إنها صناعة إسرائيلية. و البعض الآخر يقول إنها مجرد خوارج، خرجوا من عباءة الفكر الوهابي، تربوا على جرعات إضافية من الحمية الفكرية للمدارس السعودية التي تخضع نسبها نقصا وزيادة للمزاج العام للأسرة الحاكمة ولعلاقاتها الحميمة مع الأمريكيين.
لكن الملفت لنظري هو موقف ما يسمّى بالإسلام السياسي المعتدل.
فقد عملت مواقع، وقنوات محسوبة على التيار الإخواني، أكبر حركات المجتمع المدني في العالم الإسلامي، على تشويه متعمد لما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق. ولهذا العمل خطورة كبيرة على مستقبل المجتمع المسلم و العلاقات البينية بين السنة.
إن المشكلة لا تكمن في معارضة "داعش" كما تحبذ هذه المواقع تسميتها، ولا في معارضة بعض معاملاتها، ولكن في السعي وراء الشائعات لخلق رؤية مشوشة تمنع القدرة على التعرف على حقيقة هذه الحركة.
إن معرفة حقيقة هذه الحركة ضروري لأي عمل يسعى إما لمحاربتها، أو استيعابها أو تصويبها. وإن معرفة الحركة لا يمكن أن تأتي من الشائعات، ولا من الصور المجتزأة، حقيقية أو خيالية لأعمال ترتكبها الدولة. إن مجرد تصوير عمليات تصفية الخصوم وإختصار أعمال الدولة بها هي عملية تجهيل لا تساهم في توعية المجتمع ولا في خلق سياسة تعامل مع هذه الظاهرة.
إن من يريد أن يفهم الإخوان، لابد أن يقرأ تاريخهم، ولا بد أن يقرأ كتاباتهم من حسن البنا، مرورا بالسيد قطب، وصولا إلى أفكار منتصف التسعينات، سواء الأورو-إسلامية للسياسي و المفكر راشد الغنوشي ، أو للفيلسوف السوداني الترابي، أو الفكر الأمروإسلامي فيما يتعلق بفكرة الدستور، ومعضلة قضية الإستخلاف لمحمد المختار الشنقيطي. وهي أفكار كلها مفيدة، وإن كانت تظهر نظرة غربية تفحيصية تبحث عن أجوبة لمسلمات الإنحطاط في العالم الإسلامي، ولا تمتلك في جعبتها التخيلية إلا الحاضر الغربي الماثل أمام عينيها، كقوة مادية، برر طغيانها المادي سيطرتها الخطابية.
ثمة القليل مما نعرفه اليوم عن الدولة الإسلامية وخطابها وممارساتها، ولذا يجب التحري. هذه ليست دعوة لمساندة الجماعة، وليست تشديدا على الإنكار عليها، بقدر ماهي محاولة فهم ما يجري كي نأخذ الموقف الواضح بكل تفصيل و ليس بتعميمات الأنظمة.
الواضح أن الفرق الهائل بين الدولة الإسلامية و الجماعات الإسلامية السياسية، وحتى الفكر الإسلامي الرسمي سواء ما يتبنى الفكر القيصري الإسلامي مثل نخب الإسلام الرسمي السعودي، أو مايمارس الفكر الفرعو-إسلامي في مصر كالأزهر ومؤسساته الرسمية، أو الفكر الصهيو-إسلامي كعلي جمعة، أو فكر البرجوازية الإسلامية، الصوفي و غير الصوفي، كفكر عمر خالد، وعبد الله بن بية، وغيرهم، وما يتبنى الفكر الأوو-او الأمركو إسلامي كما أشرنا سابقا، ما يمز الدولة عن كل هؤلاء هو مركزيتها الإسلامية غير التبريرية. ولذلك فهي قابلة لخلق بديل للحداثة لأنها لاتنطلق من مسلماتها ولا تقف حبيسة لزخرفها الفكري المادي. لكن مشكلة أفكار الدولة على قلة تدوينها هي أنها تفتقر إلى بعد فقهي، وتتبنى تصادمية توغل في تفسير التمايز القرآني بين الإيمان و الكفر من منظور أخروي، وتسقط ذلك دنيويا. وهو جانب في غاية الخطورة، يمكن أن يصحح، لكنه يمكن أيضا أن ينسف كل شيئ، لأنه يدخل الوهم على الممارس فيحسب نفسه أداة إلهية بدل أن يراها نفسا مجاهدة مجتهدة في إتباع الأوامر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هذا الذي جعل الألباب حائرة و صير العالم النحرير زنديقا

Hadith

مكانة العقل في فلسفة الإسلام