تحية على البعد لكتابين


تحية على البعد لكتابين عن الطاقة و آخر عن شر ببة
========================

في الصباح الباكر، و قبيل غروب الشمس تراه يخرج و يدخل متأبطا في كلتا الحالتين، مقنّعا مسرعا، مجاهرا بتلاوة القرآن. هو مدير مكتبة في إحدى مدارس التعليم العالي. المكتبة مغلقة في معظم الوقت، الكتب إختفى أكثرها. 

طبعا لا أحد يهتم لأنه لا أحد يقرأ. فطلاب المدرسة، حصّلوا نصف العلم بدخول البوابة الرسمية و الفوز في المسابقة، و حازوا النصف الثاني عن طريق الحوارات السياسية الجوفاء و لعب الورق. 

أخونا المدير بارك الله فيه، فهم المراد منه-- حسب شهادة صاحب الكافتيريا (وهو من أهل مكة المقيمين فيها ما أقام عسيب)--- على ما وصف أحد الأساتذة الموريتانيين عن المدراء:
أما المديرون إن تسأل فدورهم …تسويق ما أستودعوا كتبا و أقلاما.

المهم أن تدين المدير الظاهر حسب شهادة صاحب الكافتيريا-- و الله حسيبه-- كان يصحبه تهريب للكتب و بيع لها في السوق السوداء.

لم يبق في الرفوف الأمامية من المكتبة إلا ثلاث كتب إثنان منها عن الطاقة و المفاعلات النووية، تصفح سريع فيهما يحيل القارئ إلى مفاهيم عن الماء الثقيل و دوره في تبريد المفاعلات وعن الفروق الفيزائية (الزون) بين الأيزوتيب ٢٣٨ و ٢٣٥ و ٢٣٤ و طرق فصل هذه و تجميع المبتغى منها عن طريق الطرد المركزي (يسمى التخصيب)بلغة بني الإنجليز من بني الأصفر. الحمد لله كنت أعرف أن البلد وقعت على كل معاهدات حظر تخصيب الأفكار و الأشطار وأن الكتابين إنما أتت بهما حملة "أهيه و أهيه امل و إلذاك يوحل في إكتاب" و بالتالي لا خوف من أن تطال الكتابين أياد غير أمينة.

بجوار هذين إرتمت نسخة دارسة من كتاب عن شر ببة.

لا أدري حقيقة لماذا بقيت تلك الكتب و ما الذي جمعها، وهل مازالت على الرفوف أم أنها قدمت إلى ما قُدّمت له.

إن كانت صارت إلى ما صارت إليه بعد ثمان أشهر تابعتها فيها، فلا عجب، فقد سبق لغيرها أن شكى وضجر، و بكى و ربما أعتبر، من تغير حال الزمان و تهتك عرى الخلان:
وكنا كندماني جذيمة حبقة من الدهر حتى قيل لن يتفرقا 
فلما تفرقنا كأني و مالكا لطول إجتماع لم نبت ليلة معا

تذكرتكم و أنا أمر بين رفوف أنيقة مرتبة من كتب العرب و العجم في جامعة آريزونا... طبعا لا تشابه بين الحالين لكني خطر ببالي أن أقول

دعوني فهذا كله قبر مالك.

رحمكم الله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"تحليل التراث الإسلامي"

هذا الذي جعل الألباب حائرة و صير العالم النحرير زنديقا