المفتون والحشاشون في سياق التدخل الأجنبي. شهادة للنكتة و العبرة


المفتون
في طور الإعداد لعاصفة الصحراء (أو قنبلة العراق إن شئتم و تحطيم قدراته و تجويع أبنائه، وتحويله من دولة عصرية يحكمها أبله شجاع متطلع إلى المجد خارج حدوده إلى دولة متخلفة يحكمها أبله كل همه أن يبقى في سدة الحكم ولو على ٢٠ سنتيمترا من أرضه، رحمه الله) كان مفتى مصر محمد سيد طنطاوي ومفتي الأزهر جاد الحق علي جاد الحق، و القرضاوي، و عدد غفير من علماء السعودية، مع فتح السماوات و الأراضي، و الجفان و السيقان--(لا تقرؤوها من فضلكم قراءة أحمد مطر


لكن قضى شرع الأهلة أن تخوض جهادها و غمارها الصلبان

كرم الضياقة دائما يقضي بأن تطوى الجفون و تفتح السيقان. فلست ممن يحمل العلماء كل كرم المجتمعات البدوية المكبوتة). ل

 للأمريكين و مساعدتهم، تحت حجج كثيرة. وكان حينها السواد الأعظم ممن يسمون بالإسلاميين ضد ذلك، بل دخل بعضهم في سجالات مع القرضاوي نفسه، و كانت حركة النهضة في تونس، و الإخوان في مصر، و الأردن، بالذات من أشد المنكرين على مواقف المساندة لأمريكا

فتاوي مفتي مصر إحتفى بها حسني مبارك الذي وجدت هوى في نفسه، و عممت على سفارات مصر بلغات العالم.  طبعا كان طنطاوي حينها يدعوا إلى إيخاء الشعوب، ويحرم الخروج و الحراك و الثورة و كل أسباب عدم الإستقرارا، موضحا كونها ليست من الدين في شيئ. الدين دين السلام. 


حجج الطرفين في الأشهر و الأسابيع  و الأيام التي سبقت حرب الخليج الثانية محفوظة للتاريخ يمكن الرجوع إليها.

المحللون رأوا أن عدوان العراق على الكويت، و إحتمال عدوانه على غيرها يببر الإستعانة بالأمريكيين الذين سيطوون حقائبهم ويعودون من حيث أتوا إن إنتهت الحرب. 


المنكرون و المشددون في الأمر برروا الرفض بالقول، إن عمل العراق العداوني كبير و خطير، و منكر (هذا الموقف الذي أتخذه غالب الإسلاميين يختلف عن موقف آخر رافض من علماء العراق، و الأردن )، ووافق موقف الكثير---و لا تستغرب أو أستغرب أيهما شئت-- من علماء الشيعة في لبنان و العراق و إيران. لكن مع خطورة موقف العراق فإنهم روأ أنه من  الغباء كل الغباء أن يعتقد البعض أن الأمريكيين سيغادرون بخروج العراق من الكويت أو أنهم ليست لهم أجندات. هذه طبعا مبررات سيقت في السياق خارج الكلام عن عداء الكفار للمؤمنين و حرمة توليهم و غير ذلك 

القرضاوي رد على خصومه حينها بأن الإسلاميين مخطؤون لأنهم ينظرون في المآلات و ليس في الأسباب. سبحان الله

طبعا كانت مآلات الإسلاميين أسلم و أعمق في فهم التاريخ من أسباب القرضاوى و رجال السلطان في السعودية و مصر و غيرهما

كان في جانب القرضاوى و علماء السعودية، و مصر علماء سوريا الرسميون و طبعا المجاهد الاكبر و الممانع العظيم عدو أمريكا و الإخوان، أسد الشام و ما ورائها وحليف الخميني قدس الله ظله و حلمه و نعله، القائد الهمام، باني حمص و حماة و مدمر تل أبيت و إيلات، حافظ الأسد، الذي لم لو لم يكن له آباء عظام لكان أباه الضخم كونه أبا لبشار. 
:الحشاشون

كانت طبعا سوح موريتانيا، بكل عروبييها، و كل علمائها، و كل إسلامييها تموج بالمظاهرات المناهضة للتدخل الأجنبي ضد العراق. لا أحد، إلا من رحم ربك و قليل ما هم، كان حينها يرى عوار موقف صدام و ظلمه لأهله و لجيرانه. في موريتانيا كان هناك مرض عراقوفيليا، بل و صداموفيليا مزمن، و شامل.


الكل لسان حاله ينشد



"الله أكبر ياشباب فكبروا بإمامكم تكبيرة الإحرام==بطل يكيد عدوه بمخطط يسبي العقول بروعة الأحلام."



ذاك مطلع قصيدة إستمع لها العبد الفقير في اليوم الأول من الحرب على العراق و هو غر صغير يسترق السمع إلى جمهرة من أساتذة الثانوية  و الإعدادية يتبادلون أنخاب شعر العروبة و الإسلام  في جوقة صداموفيلية من الطراز الرفيع. 



الحشاشون على الطريق من و إلى وسط المدينة لم يكونوا يحسنون الشعر لكنهم لم يكونوا بمعزل عن المعركة. كانت إذاعاتهم الخشبية من طراز فيلبس كلها مثبتة على تردد البيبيسي و لم يكونوا يفهمون أي شيئ مما تقول لكن دقات صوت بيغ بن كانت بالنسبة لهم صوتا حيا لما تعارفوا على تسميته بسواريخ صادجم (صدام أو العراق بأفصح قراءة للراء) التي كانت في رأيهم تحيل عزراميل (إسرائيل) إلى أرض يباب 


وكنا نحن  أطفالا نمثل تلك الأدوار في الشارع ضد أعدائنا الحقيقيين و الوهميين من الجيران ومن غيرهم. الحرب لم تكن حرب فتاوي و قصائد، ولم تكن حربا في الخليج، بل كانت في شوارع مدن موريتانيا. عشتها شخصيا في الصطارة في روصو.


طبعا كانت أيضا على أمواج أثير إذاعة موريتانيا، و التي منها حفظت من طنطنتها تباكيا جميلا على حرية الإعلام و التشنيع على الكذب.



إن حرب الخليج الراهنه-نه نه نه نه(هكذا عقلت الصدى على أمواج إذاعتنا)، لم تقتصر على قتل الشيوخ و الأطفال، بل قتلت الكلمة الإعلاميه-يه- يه- يه... إلخ.




طبعا عشت، لحسن الحظ أو للإفراط في حسنه، لأسمع من نفس الأمواج، نوعا صريحا من قتل الروح و الضمير و-- ليس فقط --الكلمة الإعلامية. 



جارتنا هاجر، كانت أهم شخصية بالنسبة لي في عالم الحرب، لأنها فرضت علي أن أكون مصدر أخبارها و لا تثق إلى في، رأت في نبوغا في عالم الأخبار، و ثقة في النقل، أتمنى أن لا تكون أتسعت مداركها الفكرية و مصادرها الإخبارية لأنها إن فعلت تكون بلا شك قد خاب ظنها في. 

سؤالها  كل صباح لإبن ١١ دجمبرا كان. صدام إدربهم اليوم و لا؟ (هل ضربهم صدام اليوم أم لا؟)ل


كنت دوما متحمسا للإجابة و للتحليل، لكن خالي عفى الله عنه كان في بعض الأوقات ينغص علي بجوابه الأكثر عمقا و الأسرع تحضيرا عن الحرب: "لم يستخدم صدام بعد مدفع القيامة و لو إستخدمه لسمعته من هنا، بل و لقامت القيامة ذاتها. إنه رجل."



طبعا كنت مقتنعا إلى حد ما بصحة هذا لكني كنت أحسد ثقته فيما يقول


عمومالا تعليق على التدخل المزموع اليوم في سوريا. هذه أسطر للتاريخ 

 فيها العبرة لمن يعتبر و الطرافة لمن يفهم الطرف، و النقد لمن يقرأ بين السطور، و ضياع وقت في غير معصية لمن قرأها ممن لا يدخل في عداد أولئك. 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"تحليل التراث الإسلامي"

هذا الذي جعل الألباب حائرة و صير العالم النحرير زنديقا