موقفي من الضربات على سوريا: كلام غاضب فلا تقرأه



بما أنه لم يخل يوم من هذه الأيام التي تدق فيها الحكومة الأمريكية و المعجبون بها حول العالم  طبول الحرب على سوريا إلا ووجدت نفسي مطالبا بتحديد موقفي فإنني أرى أنه حان الأوان لكي أقوله.

طبعا لم أكن أظن أني بحاجة إلى كتابته بذيل مذنب فلم أكن أعتقد أن موقفي غامضا أصلا كي يحتاج إلى توضيح. منذ اليوم الأول للثورة السورية و أنا أتابع أخبارها يوما بيوم و حارة بحارة. لا يسقط قتيل إلا و بكيته علنا أو سرا، حينا بهذه وأحيانا كثيرة بتلك، ذرفت الدموع و أسلت بعض الحبر

قلت في سورية ما رأيته صوابا. كان موقفي ومازال أن بشار دكتاتور، سفاّح، دجّال، كذّاب، أشر، جبان، نذل، وبال على سورية و على مشروع التنمية في العالم العربي، شأنه في ذلك شأن كل علية القوم التي ورثت الحكم عن بني كولنيال أو عن من رضعوا فكرهم على مستوى الوجدان ولم يقوموه على مستوى الأدمغة، وهؤلاء فينا كثر، يشكون في كل شيئ ورثوه عن مجتمعهم لكنهم يقبلون بكل ما صب لهم من أو في آنية القوم، أو--وهذا أسوأ من ذلك--من أشربوا هوى قشور بني كلونيال، دون فكرهم، وأستطابوا هناتهم (ولكل قوم هنات) فصارت عادة، ولكل إمرأ من دهره ما تعودا.


"فتخرموا ولكل جنب مصرع    سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم"


هؤلاء القوم طرف من أطراف الأمة المريضة التي بترأها أحسن من علاجها. ولن تقوم للأمة قائمة ما داموا قادتها. طبعا للأمة أطرافها المريضة الأخرى لكن هؤلاء على كل حال أشدها ضررا عليها.

أنا لا أختار تقبيل يد قطعها أحسن من تلك القبل

ومع ذلك أفهم أنه قد تأتي صروف الدهر بما لا يحمد ويكون المرأ عاجزا عن قطعها. لكن يبقى من المقدور عضها.

صحيح أن من صروف الدهر ما يوصل إلى ما ذكر إبو الطيب:

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد

لكن في تعامل الأحرار ثمة فرق بين الصداقة و الإستعباد، ثمة فرق بين عدو يعجز الحر عنه، ومغفل متكبر ربط وجوده و كبريائه بإذلال الحر. الحرية ليست لقبا. الحرية ممارسة. و من قبل الذل تخلى عن تلك الممارسة.  

***
طبعا كانت تحضرني مواقف النظام العلنية--و العبثية فعلا-- من الإنتفاضة، و المقاومة و الممانعة--وهي التعبير الذي يظهر اليوم مستوى الهزال الذي وصل إليه الواقع العربي و النفس العربية.

الممانعة التي يتباها بها القلة و يعجز عنها الكثيرون لا تساوي المقاومة لا في القاموس و لا في النفوس. الممانعة في قاموس العرب الحديث ليست مشتقة من المنعة، بل من المنع، و لا تعني المنع ذاته بل التظاهر بفعله. في أحسنها  تأخير في حصول الفعل، و ليس منعه البات

ممناعة سورية هي التي مكنت إسرائيل من الحفاظ على الجولان على مدى أربعين عاما، تسرح و تمرح في ربوعها، سياحة و زراعة و مخططات على المدى البعيد، لا وجود لشبح حرب مع آل الأسد، فكل همّ آل الأسد هو أن يبقى آل الأسد في الحكم، تماما كماهو حال آل سعود.


ممانعة سورية هي التي مكنت بشار من تحويل جيش سوريا إلى مافيا من أبناء العمومة و الأنذال من المرتزقة. جيش عربي بعقيدة مومس، ورئيس عصابة.

لكن بشار لم يتحكم في السوريين لأن السوريين أحرار، كما لم يتحكم ناصر في المصريين لأنهم أحرار، و لا مبارك من بعده و لا السيسي في يومنا لأنهم أحرار،بل لأنهم آثروا الخبز على الحياة، فخسروا الحياة ولم يربحوا الخبز


و البقية من بلاد العرب على نفس الحال.

عندما يمثل القادة علينا، نقبل التمثيل. جرّ عبد الناصر مصر إلى حرب خرقاء في اليمن، و هزيمة ماحقة في سيناء و أجزاء من فلسطين، ثم مثل عليهم تمثلية الإستقالة، فأنطلت عليهم فخرجوا يهتفون لفاشل لكي يواصل الفشل. لا تعجب من حماقة من أوتي كتاب الله ثم نبذه وراء ظهره. ولا تعجب أن سلّط الله عليه الذل

ما يقال عن عباد عبد الناصر، يقال عن عباد آل سعود وآل سلول الآخرين المنتشرين في دنيا العرب إنتشار الفطر على الماء الآسن.


أنا لست عندي مشكلة مع تأبيد الحكم لأي زعيم، لكن شرط أن يكون زعيما أو رئيسا. أما أن يكون مومسا طيعة في وجه الغرباء، وعبدا في وجه السادة، وجبانا رعديدا في وجه الأعداء،  ونسرا كاسرا، ونذلا وقحا في وجه العامة و الضعفاء من أهله (جهلا علينا و جبنا من عدوهم لبئست الخلتان الجهل و الجبن) فالخراب و الدمار خير منه

لقد ذلت الأمة قبل أن يذلوها لأنها رضيت أن يسود عليها أمثال هؤلاء.

إن أمة هذه قادتها هي نفسها الأمة التي تصفق، و تتباكى وتبعث بالمناشير و الإستجداءات، لكي تقنع الغرب بالتدخل ليخلصها من شخص و ضعوه ليذلها. أي بلادة حس هذه

أبعد كل هذه العقود و السنين ما زلتم لا تعرفون عدوكم من صديقكم؟  

إن من مثّل عليه المغفلون من أسافل الأعراب (و أتباع بني كولنيال من من يعرف كيف كانوا و إلى ماذا صاروا) ليس غريبا أن يمثل عليه ويسخر منه الأغراب.
***
سيضرب الأمريكيون عندما يرون أن ذلك من مصلحتهم سواء أتفقنا أو إختلفنا معها، سواء إستجدينا أو لم نستجد. لكن حسب ما أذكر لا تتقاطع مصالحهم التي يحركون من أجلها الجيوش و يقصفون الدول مع مصالحنا. ربما أنا مخطئ نحن أصبحنا بلا مصالح و لا قيم. 

هل كانت الثورة من أجل الحرية أم من جل الخبز، أو من أجل الماء. لم يمنع بشار السوريين من المأكل و لا المشرب، صحيح أنه أستأثر به. لكن سورية لم تكن تعاني من مجاعة. لم يكن بشار يقتل الناس على هذه الوتيرة. كان يعذبهم فحسب. ويعذب فقط من لم يسبح بحمده. 

إذا كانت الثورة لم تقم من أجل الحرية فلم قامت؟  وهل يتصور هؤلاء أنه ستكون هناك حرية تحت وصاية أو إحتلال؟ 


شخصيا ممن يعارض الضربة، وأشعر بالقرف ممن يناصرها، ليس لأني أحب بشار. تلك تهمة لا تهمني، ومن يعرفني يعرف موقفي و من لا يعرفني يجب أن يعرف أنني عارضت و سأظل أعارض كل أوصياء الإستعمار، جاؤوا بعلمانية أو عرجوا في السماء وأتوا بكتب يقرأونها. 

الحرية التي أحلم بها و يحلم بها أمثالي تأتي من مجتمعاتنا. أنا لست ضد التعاون مع الغرب ومع الشرق و ليس لدي عداء مستحكم مع أي جهة. لكن ثمة فرق بين أن تتعاون وأن تبتهل لغير الله. إن الذل طعمه واحد، و مصير أهله واحد.

ستضرب سوريا ولن يكون فيها الأسد أسدا، سيبدوا أرنبا مرتعبا و لا يغرنكم كلامه الآن:

قد يضرط العير و المكواة تاخذه--لا يضرط العير و المكواة في النار.

قد تطول و قد تقصر فترة الحرب، وقد ينتهي بشار و قد يبقى في الحكم حسب ما يراه سادة البيت الأبيض و الكنيست مناسبا، لكن المؤكد هو أن النتيجة واحدة، صرح بها أحمد مطر أيام عاصفة الصحراء:

حتى إذا إنقشع الدخان مضى لنا جرح وحل محله سرطان

وإذا ذئاب الغرب راعية لنا و إذا جميع رعاتنا خرفان




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"تحليل التراث الإسلامي"

هذا الذي جعل الألباب حائرة و صير العالم النحرير زنديقا