ولد إشدّو: كلمات في قضية المحامي المتطوع للدفاع عن المسيئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم
- هذه من القضايا التي لم أكن أعتقد أنني سأخط فيها خطا. لأنه من جانب اختيار محام لمن يريد أن يدافع عنه ومن جهة ثانية لأن الأمة تواجه من المخاطر ما هو أكثر وأكبر شأنا من هذا.
وأخيرا لم أرد أن أتكلم عنه لأنني لا أعلق على كل شيئ، فمن تتبع كلام الغوغاء، ضاع وقته و أستنفدت طاقته في غير طائل. لكن ما دام أن بعض الأقلام التي أحسبها مخلصة لقضايا الأمة تناولت المسألة أود أن أكتب أحرفا لتبيان ما أراه صوابا في الأمر.
- أولا وضحت موقفي من قضية الإساءة ومن قضية المسيئ. قلت أن العمل أكبر من المنكر و يحمل ثقافة الكفر و التشكيك في عدالة الرسول صلى الله عليه و سلم و عدالة رب السماوات الذي اختاره خاتم الأنبياء. جل الله وتعالى شأنه و صلى الله على نبيه الذي زكى. لكن قلت ومازلت أكرر، أنه رغم قناعتي بأن هذه القضية يجب أن يترك للقضاء و القضاة ومن أرادوا إستفتائه من العلماء الحكم فيها، إلا أنني شخصيا أرى أن يستتاب الرجل، ويدرس سيرة خير الخلق، و يوكل به إلى علماء تربية. أبني هذا على ما أشيع من أنه تاب أو عبر عن رغبة في التوبة.
-إن الحدود سميت حدودا لإرتباطها بحدود الشرع، أي أطرافه، لكي يحمى من تعداها من نفسه، ولكي يحمى المجتمع منه. لا حظ معي أن حد الشيئ طرفه، وليس أساسه، ولا جوهره ولا كل ما فيه. لكن مع ذلك تبقى الحدود جوهرية لأنها تساعد على تحديد حقيقة الشيئ وشكله. ولذا لا يمكن الإستغناء عنها لكنها لا يمكن إعتبارها أساس الأمر و جوهر كنهه. ولذلك كانت الحدود لا تقام إلا بالبينة، في حين أنها تدرأ بالشبهة، لأن درأ الحد بالشبهة إقرار بشرعية الحد وبوجوده، وبالتالي إقرار بجوهر ما يقوم حدا له.
- ثانيا، إن القوانين الإسلامية على خلاف غيرها من القوانين، مرنة إلا في الحالات الخاصة بتحديد المحرم و المباح مما لا يدخل في حيز الشبه، ولكن هذا الوضوح تقابله مرونة أخرى في إطار تطبيق الحدود لما يتطلبه من أدلة وشهود لكي يقام الحد. وهو أمر تنبه له بعض علماء القانون الغربيين الذين وصفوا الإسلام بأنه بالغ بحماية الفرد لدرجة أنه--من وجة نظرهم--أضر بالجماعة. (يجب أن يقرأ هذا الميّالون إلى الحكم بأن الإسلام يعيق حرية الفرد).
ــثالثا: حرّم المسلمون وأعتبروه كفرا سب ني الله عليه الصلاة و السلام، وهذه ليست محل خلاف لدى الجمهور، و التشكيك في عدالة النبي يصل إلى التشكيك في عدالة الله ولا أعرف كفرا فوق هذا، و كبرا فوقه. لكن الناس قد تعذر بالجهل، وبعدم فهم سياقات اللغة و تجُبّ التوبة ما قبلها على كل حال.
ـــ رابعا إن الشرع الإسلامي، و الثقافة الإسلامية قائمة على مبدأ أن لكل نفس الحق بأن تدافع عن نفسها في الدنيا و الآخرة. وفي ثقافة المحاكم اليوم يحق للناس-- و لا يعترض علماء الشرع على هذه--أن يوكلوا من المتخصصين من يدافع عنهم. في كل ثقافة قانونية، يقوم الدفاع بمحاولة وجود المخارج القانونية التي تخدم المتهم، أو المعطيات و القرائن التي تغيّر وجهة نظر هيئات المحلفين في المجتمعات التي يمارس فيها القانون بنوع من الإعتباطية، و لا يعمد المحامون إلى إستجلاب ثقافة قانونية خارجة عن السياق الذي تتم فيه المحاكمة لأن ذلك باطل قانونا.
الهدف من هذا التوضيح بأن الدفاع عن شخص في نظم القوانين و المحاماة في محاكمنا التي لم يعترض العلماء فيها على فكرة عمل المحامين لا يعني الدفاع عن فعله، لأن ذلك يتعارض مع القانون إذ لو لم يكن فعله مجرّما لما جاز أن يتهم أصلا. وإنما يقوم الدفاع بمحاولة تفسير الفعل، أو التشكيك في إرتكاب المتهم له، أو الإدعاء بأنه كان مكرها على فعله، أو غير واع ببعده القانوني--حتى وإن كان القانون لا يعترف بجهله كنوع من الدفع. إن عملية الدفاع هذه ليست دفاعا عن الشخص وإنما هي دفاع عن القانون السائد في أي بيئة أو ثقافة، و عليه فهو لا يبيح ما لا يبيح القانون وإنما يؤكد حتى لو برأ المتهم على قانونية ما أعتبر منتهكا.
--خامسا: توكيل أو قيام ولد إشدو بدور الدفاع عن الشخص المتهم بالإساءة إلى الرسول هو عمل قانوني يقوي سلطة القانون القائم وليست خروجا عليه. ولذلك فمن يعتبر الأمر كفرا عليه أن يكفر القانون و المحاكم الموريتانية جملة و تفصيلا ومن وقف ورائها و من شرح صدره بأن يتحاكم إليها وله مندوحة عن ذلك.
ـــسادسا: كون ولد أشدو شيوعي أو كان شيوعيا، أو حليقا، أو زير نساء، أو غير ذلك من التهم هي نوع من السباب لا قيمة له. ففي الأولى، كونه شيوعيا فهو إما أن يكون كان كذلك وعدل عنه أو مازال كذلك و لا يبغي به بدلا، فهي أولا مسألة حرية شخصية و الكلام فيه نوع من الخوض في خصوصيات الناس، إلا إذا كان في شيوعية ولد أشدو ما يدعوا له وما يتعارض مع محكم من الشرع. وهذه وتخضع لدرجات التمسك بذلك الفكر، فقراءة كتاب أو الإعجاب ببعضه لا تعني الإيمان بكل ما جاء فيه، كما لا تعني حتى الإيمان أو التصديق بأي شيئ فيه. ومن عرف فيه الدعوة إلى كفر، فليأت بالدليل، فما دمنا في زمن البحث عن تأشيرات الإلحاد فلا بأس بأن نخوض أيضا في محاماة الإلحاد. أما ما استبطن في خفي فكره، فالله حسيبه فيه.
أما حلاقة اللحية، فالكلام عنها سخف تماما كالتعيير باللحى لمن يراها رمزا لتخلف أصحابها. فترفعوا قليلا يرحمكم الله عن القشور.
أما قضية كونه "زير نساء" فهذه أسخف من الحديث عن حلق اللحية، لأنها أولا تنم عن تتبع لعورات الناس و تجسس عليهم، ثم تناقل ذلك، وكلها محرمة بالقرآن قبل السنة. وثانيا، التعبير ذاته حكم قيمي يخضع لعادات المجتمعات و فهمها للعلاقة بين النساء و الرجال، فما نراه في موريتانيا عاديا يراه غيرنا في المشرق من الموبقات، وبعض هذا مرتبط بتشدد البترودولار و هو في غالبه مغلف بالجهل و النفاق، و البعض الآخر قديم راجع إلى الإختلاف الثقافي. فإبن بطوط أعتبر في رحلاته أن أهل ولاتة لا غيرة لهم، وذكر أن الشيخ فيهم يمازح الفتاة و غير ذلك. ثم إن هذا إما أن يكون تهمة بما هو دون الزنى أو به هو. فإن كانت الأولى فلا يعدوا أن يكون لمما تكفره الصلوات، أو الإستغفار أو غيره. وإن كانت الثانية فهي تثبت بأربعة شهود رأوا الفاحشة كما هي. فإن لم ياتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون. و لكل قاذف حد في ظهره.
ـــسابعا: وأخيرا، ما هذه الشتائم و هذه الهجومات العنيفة؟ وما هذه الغوغائية؟ ألا تتركوا للآخرين أسلوبهم. إذا كان المدافعون عن خير الخلق هكذا فكيف يكون المدافعون عن الظلمة و القتلة؟ إن محمدا صلى الله عليه و سلم لا يسره أن يكون المدافعون عنه، متسرعين في الأحكام، ضيقي العطن، يهرعون إلى السباب و الشتائم الشخصية، و التشهير و غير ذلك؟ لا تقولوا إن غيرنا يشهر بنا، وهل أنتم أنداد لهم؟ من تعرض لكم أو للإسلام فردوا عليه بأساليب الإسلام، بالحكمة و الموعظة الحسنة. إن الشرع أخلاق، واختلاف شريعتنا عن الشرائع و الممل و النحل الأخرى يكمن في أننا قوامون بالقسط. ومن القوامة، وهي صيغة مبالغة، أن لا يذكر أحد الأعداء، من الكفار و المنافقين و غيرهم، إلا بما فيه دون زيد أو نقص، وهذا في زمن الحرب. ثم هل فيكم من قرأ السنة بتدبر؟ أفيكم من يفهم أن محمدا لم يعنف المنافقين ولم يسمهم، ولم يسبهم؟ أفيكم من يفهم كون النبي لم يقتل المنافقين وهو بهم عليم؟ إنه لم يكن محرما عليه ولو كان محرما لبين، لكن النبي صلى الله عليه و سلم كان ينظر إلى مآلات الأمور و إلى سمعة المسلمين. لأن الرسالة التي أرسل بها هي رسالة لأصحاب الألباب و العقول، وليست للمعتوهين. إنها رسالة الأمة الراشدة، الشاهدة، المتبينة، المتحرية، التي ترد على العدوان بغير تعد، و تعامل الإحسان بالبر و القسط.
تعليقات
إرسال تعليق