طلاب المعنى و سراق اللبنى (قصة أطفال للبالغين فقط )
كان في مكان ما من البسيطة و في وقت من الأوقات مجتمع. كان شبابه وقواه النشطة فكرا و حراكا ينقسم ما بين من يطلب في الزمن المعنى ومن يسرق فيه اللبنى. كان أصحاب الفريق الأول يميلون إلى التكتل وكان أفراد الفريق الثاني مشتتي الإتجاهات. عند هؤلاء كان ثمة ما يكفي من الوقت و ما يكفي من الفضول لللعب بأفكار كثيرة. ومن عرف الأفكار عرف أنك قد تلعب بها وأنها قد تلعب بك.
ما أعجب الأفكار كم تلعب بي--وكنت قبل اليوم من يلعبها
في أحسن الحالات تترك شوارد الأفكار و شواذها في قلبك و عقلك أثرا. ومن عرف الحياة عرف أن من لا يعمل فيها تعمل فيه.
فما تمضي السنون بدون فعل--ولا يبقي الخلي بها خليا
كان أصحاب الفريق الأول يتخيلون واقعا و يسعون إليه، وكانوا يريدون للكل أن يتمثله. طبعا كانت لهم أخطائهم، لكنهم واثقون من أن أسلوبهم أسلوب سليم وأن عملهم قويم وأن غيره مضيعة للوقت و محرقة للطاقات. كان في بعضهم شدة، وفي بعضهم الآخر خشونة، و في جزء أصغر طيش و صلف.
يخالف البعض ما يأتيه بعضهم-- لكنهم في سبيل الحق أعوان
فربما ضاق باللاحين جلهم -- وربما قاطع الإخوان إخوان
لكن غيرتهم، لكن قوتهم--في الثأر من عمل الأعداء إن رانوا
فربما بالغوا في الرد إن هجموا--وأغلظوا الجنب في الهيجا وماهانوا
وفات كوكبة في بعض ما ذهبت - لين من القول، خير القول إحسان
حتى ولو كان في من يلتقى صلف-- ومن عجائب خلق الله ألوان
في كل طرف كان ثمة من هم أقرب في جوانب من توجهاتهم و ممارستهم إلى الطرف الثاني، إن كان تحرّف بهم يمنة هذا العامل أو مال بهم يسرة ذلك السبب. بل و كان في الطرفين من كان لسانه رطب بذكر قيم هذا الفريق و أرجله تشطح في نوادي الآخر، في خلسات الأعين أو تحت عدساتها.
يخفي الكريم هواه حين يعذله--في الجهر من ليس في بلواه يمثله
يصارع الفكر، و الأهواء إن عرضت--ويطرد الذنب بالإحسان يقتله
وربما كان يرضى عن مرافقه-- ويستحيل بحال حين يخذله
وربما كان في الإصباح ذا مقة--وفي المساء ثقيل الهم يشمله
يقول في القوم ما يرضي جماعته--وحين يبقى وحيدا ثم يجهله
يقول يا ليتني قد مت منذ زمن--وما أتيت الذي الشيطان سوله
في نوادي الفريق الثاني، كان الفكر ينغص الحياة، وكان الكلام عنها يدفع رتابتها. كان الليل ينقص من طرفي النهار، يقضهم همومه و يختلس بواكره. كان الزمن حلما لا ينسى، وكان النسيان حلما تطل كوابيسه من بين خيوط دخان النرجيلة. كانت ضحالة الموجود، تتخفّى بتبخيس المعهود. كانت الفلسفة في الكلام قبلة و أساس، و في الفكر قل المدققون ثم والأمراس، من قرأ بالغ في الإحالة والإقتباس، حتى وإن فاته موضع الحجة ومقصد القياس. وأما الأتباع فحدث عن حال الرعاع، يغرفون ما يغرفون على عجل، و يرمون به أول من أطل. لايعبؤون ما أوجه الإتفاق وما هي حقائق الإختلاف. وجدوا في الخلاف عز الحياة، وفي معارك طواحين الهواء مسالك الأباة.
هناك في نوادي هذا الفريق حيث، تعالج الكوابيس بتمزيق القواميس والنواميس،من يدفع بعيدا في ذلك الميدان، يرفع ذكره في الأوان، ويشتهر بين الخلان. ومع ذلك ليس كل ما يقال يقصد، ولا كل ما يشاع قيل، ولا كل من حضر سمع أو وافق. هي أحاديث هموم، و شجون بطالة، يأتي النهار فتطمس شمسه ما جمع أمسه.
البطالة عدو واسع الحيل، وصديق بائس عبس، ليس ثمة ماهو أسوأ من عداوة البطالة أو صداقتها-- وهي لا تعادي إلا من تصادق-- إلا حصول ذلك في مجتمع كسول، يولد رجاله أمراء و نسائه أميرات. و لا يزيد حال من هذه حاله سوءا إلا بعض اليسر في يومه وبعض العذر في فعله من قومه. وهذي حال كثير من أصحاب اللبنى.
بين الإغراب في التفكير و الإشراق في الإستماع يباع هوى سعاد بماتيسر من مساحيق سارة. يكثر طلب السخرية و يكثر عرضها، هي علاج ما أحست النفوس من الضياع، و إنفاذ لما وخز وقر من الألم. الشعور بخواء البيوت يدفع إلى هدم أخرى.
في كلا الطرفين كانت ثمة غيرة كبيرة على قيم المجتمع. في مخيم الفريق الفريق الأول عرفت قيم المجتمع تعريفا ثابتاضيقا، و عرفت الغيرة في التعامل معها على ذلك الأساس. لكن في التدرج بين القائمين، و التابعين، و المتساهلين و المتشددين ثمة وحدة في الفكرة، و تذبذب في الفهم و اختلاف حدّ التعارض بين من يراقب الوضع من النافذة، ومن يصله الخبر في غرفة النوم، ومن يأتيه حديث القوم في خلوات المحراب. قلة من تتداول الخبر في الصالون، وقلة من تلوك الجواب قبل أن تقذفه. وكما تأتي الأخبار من النافذة فإن الردود غالبا ما تنطلق منها. تبقى الأبواب مفتوحة لكن دون وظيفة محددة.
في المقابل. الغيرة على القيم في النادي الثاني لاهي معروفة ولا هي متروكة. إن غير عليها، أغير على الغيرة عليها، وإن تناسى الآخرون أن يغييروا عليها ذكروا بإنتقائهم في حالات الغيرة عليها. أما القيم ذاتها، فلا هي قيم حين تعلن، فليست إلا خيال نقاء من أختلط عليه جيبه وجنانه-- فعل اعرابية سقيت ثلاث كؤوس من النبيذ أول مرة. القيم، ليست على التعريف تثبت، و لا على النكرة تقوم. هي ثابتة حين تكون أداة لإثبات نفاق المخاصَمين، ومختلقة متحولة، مستوردة عندما يتشبثون بها. طبعا ثمة فرق بين القادة في هذا الفريق و المقتادين، بين اللاعبين بالأفكار و الملعوب بهم، وإن كان كلا الفريقين ضحية. الثاني ضحية للعب الأول، و الأول ضحية لللعب الذي يزاول، و للرغبة في الإحتفاظ بالأتباع
.
تعليقات
إرسال تعليق