في الكفر و التكفير 2
ليس من طبيعتي أن أغلظ في القول على أحد. ليس من طبيعتي أن أشك في نوايا أحد. ومن عادتي أن أناقش الأفكار وأحاول أن أفهمها من منظور كاتبها قبل أن أقرر أهي سليمة أم سقيمة، قبل أن أقرر ألها وجه من الوجوه يقبلها به العقل و المنطق، ألها وجه من الوجوه تفسر به سواء بواقع الثقافة أم بواقع الإقتصاد أو بأحوال النفس. و لن أخرج عن تلك العادة اليوم، لكنني سأوضح أمورا أراها ضرورية بخصوص التهجم على قيم الإسلام التي يراها البعض "فكرا" و نوعا من العمل العقلاني--إعمال العقل و التفكر في أمور الحياة.
١
إن عداوة الشيطان للبشر لم تأت من عدم "عقلانيته" أو وعيه، بل من مكره و خبثه إذ أراد أن يبعد الناس عن طريق الخالق كما أبعد هو نفسه بالكبر. فلا تقبلوا أن تجاملوا من يريدون أن يجعلوا بينكم و بين رسول الله صلى الله عليه و سلم حاجزا بالتراخي، بإسم العقلنة، أو الفكر، أو غير ذلك. فعدالة رسول الله صلى الله عليه و سلم، و رحمته، و حلمه، و معاملته الحسنة الرائعة للناس عربا و عجما، شبابا و شيبا، رجالا و نساء ليست محل نقاش ولا موضع تندر. لقد زكاها الله وهو من خلق العقول لمن له عقل وحرمها من يسب رسول الله، وهو تبارك و تعالى من يقرر و يسن القوانين، لا معقب لحكمه و لا مستأنف لأمره.
٢
إن رسول الله صلى الله عليه و سلم، لم يكن فحسب رجلا من قريش، ولا مجرد رجل من العرب... بل كان رسول الله و خاتم النبيئين. إختاره الله و حاشا الله أن يختار من بين كل خلقه لمهمة كهذه إلا عدلا، إلا أمينا، إلا رحيما، إلا قويا، إلا عادلا، إلا حكيما، إلا منصفا، إلا جلدا، إلا حليما، إلا سيدا، إلا تقيا، إلا رجلا ملأ قلبه نورا و عقلا، بل ما كان الله ليختار إلا من أجمل هذه الخصال كلها بأفضل ما خلق منها!
٣
من أراد أن يلمّح إلى أن رسول الله لم يكن منصفا، أو أنه كان قوميا--كبرت كلمة تخرج من أفواههم--فقد طعن في اختيار من اختاره، فقد شك في عدل الخالق. تعالى الله عما يقع فيه هذا النوع من الناس علوا كبيرا.
٤
إن من يفعل هذا فقد كفر بل قد أشرك، لأن مقتضى كلامه أن ثمة ما هو أحسن أو أرقى مما بعث الله به نبيه. فليتب!
٥
ومن يدافع عن أو يمدح هذا الفعل فقد مدح الكفر و الشرك. فليعد النظر فيما قال. فما بعد هذا القول من كبر لأنه حكم على فعل من اصطفاه الله.
وكأن البعض يريد أن يقول لنا أن ثمة من هو أكثر رقيا أو وعيا أو إنسانية أو رحمة، أو تجردا من النفس، أو تحررا من ما يعلق بأحكام الرجال من حظوظ النفس، من رسول الله، أو --وهذا مبلغ هذا بلا شك--أن من بين المخلوقات من هو أكثر دراية بما هو عدل و ما هو رحمة و ما هو خير ممن أرسل محمدا رسولا. ثم يأتي بعض آخر ليمدح هذا بأنه نوع الفكر. إنه نوع رديئ من الجنون.
٦
ثم تذكروا إن كنتم حقا تؤمنون بالله و اليوم الآخر، وهما مما لا يتم الإيمان إلا به قول الله:
"ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا"
٧
أن نقول أن الفعل مكفر فليس معنى هذا أن من نصف لا يمكنه الرجوع عنه، أو أنه فقد كل حق في الحياة "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا." كما لا يعني هذا أننا ندعوا إلى إكراهه على الإيمان أو الرجوع إلى قيم الإسلام: "فلا اكراه في الدين"--بل و في تتمة الآية السابقة ما يكفي بيانا في هذه "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين."
٨
إن القول بأن كلاما فيه تعريض بعدالة رسول الله كفر ليس مصادرة حق أي كان في الكتابة، فليكتب ما شاء، و لكن لا يصادر أحد حقنا أن نصف الكفر بأنه كفر لأن ذلك من حرية التفكير أيضا. فكيف يحق لمن يدافع عن الكفر و يراه تعقلا ويصم من يدافع عن الشرع بالتخلف و الإنحطاط، كيف لمن هذه حاله أن يغضب بإسم التعقل أو العقلانية لأن غيره حكم على فعله بالكفر. أسوأ ما في الأمر أنك تسقى من الكأس التي سقيت منها غيرك، و أخفه و أقربه للحق أن كاتبا كان أكثر عدلا منك اكتفى بوصف ما تفعل دون الرد عليه.
٩
إن القول بأن فعلا معينا أو قولا معينا يخرج المرأ من دائرة الإسلام معناه أن كل تأويلاته تتعارض مع أسس الشرع. إن حكما من هذا القبيل هو حق من حقوق الأمة لكي تصنف و تعامل من يجهر بالتعريض بقيمها. والتعريض بالرسل أسوأ فعلا ممن قال أنا غير مقتنع بأن الله واحد، أو أنه بعث نبيا. ورغم أن الفعلين يتساويان في المحصلة النهائية، إلا أن الأول هجوم و الثاني إخطار أو إعذار.
ولذا أقترح على معاشر الكتاب المتحررين اشهار الكفر أولا ثم الإختيار بين موقفين:
١) أن يسكتوا عن الإسلام و قيمه، لا يتكلموا من أجله، ولا ضده، ولهم علينا أن نتركهم في غيهم سادرين و في كفرهم متنعمين حتى يحين وقت مأزقهم الفردى. بل وحتى بعد أن يحين حينه.
٢) أن يجاهروا بالعداء لا أن يتلبسوا بلبوس المسلم المتعقل، فلا عقلانية في الخوض في أعراض المسلمين فما بالك بالتشكيك في عدالة الرسول وحسن اختيار من أرسله. إن فعلوا هذه فسنختار نحن ما نراه عقلانيا في الرد عليهم. لا يأخذ المرأ النصائح من عدوه! لو كنا نرى في التعريض برسول الله عقلانية لسبقناكم إليه. ما نراه إلا أن الشيطان أستزلكم ببعض ما كسبتم، فهبط بكم إلى مستنقع آخر من مستنقعات الإنحطاط.
١٠
من التعقل أن يتوقع العقلاء المتهجمون على رسول الله أن يكون رد محبيه
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكُم ... أو أن نكفَّ الأذى عنكم وتؤذونا
تعليقات
إرسال تعليق