الحساسية من بيضة بمبيدو تحورت إلى حساسية من أصابع رابعة


كنا نسمع ببضة بيزنطة لكننا هذه الأيام نسمع عن بيضة الكادحين. طبعا البيض يجمع خاصيتين إثنتين. أولهما أنه غني بعناصر من الفيتامينات المهمة، كأنواع فيتان ب، وثانيهما أنه يصيب الكثيرين بالحساسية. فبين من يصيبه البيض بالحساسية و بين من يتستخلص منه النفع بون شاسع. 

التحسس من إستخدام البيض بلغ ببعض المثقفين درجة التحسس من استخدام قصة رمي بيضة على مستعمر قاتل، أن جعل سجنه و تعذيبه--الذي يستهجِن طبعا--خلفية للدعوة إلى المتابعة الجنائية لمن رفعوا أصابع أيد نسوا أن يقبضوها على البيض، أو ربما اختاروا أن لا يفعلوا ذلك إستشعارا للحساسية الزائدة للبعض من البيض وخصوصا من الثوري من أنواعه. 

من سكن في مساكن القوم ومن أخذ ألقابهم صار يرى الأمور من منظارهم. لا فرق في منظاره بين البيضة و الأصابع، إلا بما أبعد الزمن من ذكر البيض و ما قرّب من صور الأصابع. كل هذه الأمور تعبر عن بعبع مخيف، إنه بعبع قدرة البسطاء على التنغيص على من يحتكرون السلطة و النفوذ، ووسائل الأكراه و غسل الأدمغة سواء كانوا بالإضافة إلى ذلك قتلة، مبريرين للقتل، أو مجدر مضيفين للقتلة. 

فطوبى للبسطاء. 

في بلد يمارس فيه نهب المال العام منذ الإستقلال إلى اليوم، و تضيع فيه مشاريع أحلام مجتمع بأكمله بإسم الدولة و الوطن، و بإسم المصلحة العليا، و بأسماء أخرى تغلف في قالب الوطنية، في هذا الوطن الذي تعاقب عليه رجال منهم من سفك الدماء، ومنهم من كمم الأفواه، ومنهم من لم يرى من الشرع إلا صرامة الحدود--حتى بإنتقائية تستأسد في وجه الضعيف و تتأرنب في وجه القوي، تشجع هذا و تساير ذلك، ومنهم من لم يعرف من الشرع سوى إباحة التعامل مع أهل الكتاب، فوّسع فيه إستبقاء لما لو بقي لغيره لما وصل إليه، في بلد يرضى فيه الوزراء و مازالوا--مثقفوهم وغير المثقفين منهم--أن يكونوا طبالين في فريق يعزف سنمفونية غير متناغمة من الدعاوى الباطلة و الإدعاءات الخادعة، في بلد هذه حاله، يراد من الدولة، إظهارا لإحترام النفس--طبعا الدولة في واد و الشعب في واد آخر-- أن تحرق مزيدا من الجهد، و تضيع مزيدا من الوقت، و تبذر فائضا من المال لكي نصل إلى حقيقة ما جرى في إحتفال السفارة، وكأننا أمام جريمة بها منفذون، و متآمرون، و متسترون، و ربما ممولون، بل وكأننا أمام واحدة من أكبر الجرائم في البلد. فلا يسيل مداد الوزراء لتافهات الأمور. دعك من ذلك فذاك متروك لصغار المدونيين. 

التظاهر في حفل السفارة كان عملا إستفزازيا بدون شك، واستخفافا بسيادوة الدولة و جريمة في حقها لأنه أظهر أن في البلد أناسا لا يعجبهم وأد الديموقراطية في ثلث دنيا العرب، كما لا يعجبهم على ما يبدو أن يتم وأدها بقتل الآلاف، و سجن عشرات الآلاف من الشيوخ و النساء، و الدكاترة، و الأطباء، و الفنانين، و المهندسين، و الشعراء، و العلماء، بل والأطفال والمراهقات. إنه غضب غير مبرر وفكر غريب مريب. أناس غير راضين عن محاولة قتل واحدة من أكبر حركات المجتمع المدني، أو السياسي، سمها ما شئت، في دنيا الإسلام. كيف للمرأ أن يهتم لجماعة قدمت تضحيات جسيمة في مواجهة أصحاب الأبهة و الملك من قبل ومن بعد إغتيال مؤسسها الذي تمر الذكرى الرابعة و الستون لإغتياله ظلما، ومع ذلك لم تزل تقدم طوابير المضحين بأنفسهم من أجل رؤية، يجسدها عملها الخيرى و الدعوي الواسع؟

إن التكيل بجماعة كهذه، جماعة وجودها في صف الواقفين، المشتتين في الغالب الأعم، في وجه الإستبداد، وفي وجه قوى الإستعمار من من ما كان وما عاد يخفي ريبته وبغضه لها يعطي الحراك العربي نحو غد خال من الظلم دفعا معتبرا وأملا كبيرا، إن تصفية جماعة يتحسسها التقدميون في صفوف الرجعية فلا يحسونها، ويتصيدها الرجعيون في طابور الناكصين عن قيم الأمة فلا يصطادون إلا ظنونهم، لا أثر له على الحياة السياسية في البلد، و لا قيمة له فيه، ولأننا في بلد مفتوح و لأنه يسمح لمن رأوا في فكرها نبراسا--ولا ندري كيف--لأن الأمر كذلك فإننا نرى أن عملا كالذي حصل في السفارة--رفع أيد وترديد شعارات--نفاق سياسي غير مقبول، وتنقيص من قيمة البلد و الوطن.

فلو كان هؤلاء جماعة سرية لا تعترف بالنظام لكان هذا مقبولا. أما أن تمارس السياسة جهارا نهارا، ثم تعمد بعد ذلك إلى الإحتجاج جهارا نهارا وأمام عدسات الكاميرات، وبكل سلمية، فهذه مسألة تحتاج إلى التحقيق، وإلى تدخل الدولة لكي تحمي سيادتها.

في قصة البيض كان ثمة ما هو أكثر من اليدين، وما هو أكثر من الصوت، كانت ثمة بيضة. يحتاج المرأ أن يشتري بيضة لكي تكون له بيضة، سواء دافع عنها، أو دافع بها، أو دفع بها! وبنفس الأسلوب المريب كانت هناك، في هذه المرة، قمصان و ألوان. وكما كان مهما أن يعتقل من دفع ببيضته في وجه المستعمر بمبيدو ثم يحقق في أصولها ليتبين أنها أتت من متجر لبناني، فإنه ينبغي أن يحقق في أصول الملابس التي "اخلت بالامن العمومي بحضور الاجانب." وأقترح أن يبدأ كنظرية أولى إعتبار أن إصفرار القمصان ربما يعود إلى صبغها بأصفر بيضة بمبيدو. إن التأكد من تلك الحقيقة سيساهم في الحيلولة دون إستخدام أبيض تلك البيضة للإخلال "بالامن العمومي بحضور" الأجنبيات في المرة القادمة لا قدر الله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"تحليل التراث الإسلامي"

هذا الذي جعل الألباب حائرة و صير العالم النحرير زنديقا