رد على مشكك في علم الحديث
مايلي رد على أحد الموجودين على قائمة الأصدقاء على الفيس بوك وكان قد إتهم البخاري بالكذب و التزوير، وتكلم في علم الحديث فقال أنه ليس من العلم في شيئ وإنما هي حكايات قال فلان عن علان
===
الرد خرج قليلا عن طبيعتي في عدم الشخصنة نتيجة لتكرار تطاول الرجل على هذا العلم من أعلام المسلمين
===
يبدو أنك للأسف ستدفعني للكلام في هذا الموضوع وإلى الإجابة على التعابير الفضفاضة التي تقذف بها من حين لآخر.
أولا كون علم الحديث ليس علما، ليس مسألة تقررها أنت. فلا قولي أنا أنه علم سيؤثر من حيث العدد إيجابا في كفة القائلين به، ولا نفيك أنت يثبت ذلك.
إن قول فلان عن علان هو تماما الطريقة التي تناقل الناس بها القرآن حافظا عن حافظ إلى أن وصل إليك. أم أنك لا تؤمن بأن القرآن أيضا أتاك كما هو؟ لا تقل لي إنه حفظ، فتلك - وأنا أومن بها مثلك- ليست قاعدة علمية، رغم أني شخصيا لا أرى تعارضا بين هذا و ذاك. فمن قدر حفظ القرآن جعله في أيد أمينة من الأمة حفظته و تناقلته.
لكن دعني أرجع إلى ما بدأت به التقرير. تقول إن قول فلان عن علان، وشهادة فلان عن علان -مع أن هذا توصيف كاريكاتيري للحديث - ليس علما ولا يعتدّ به في مجال العلوم. أول ما يلحظه الإنسان على هذا الكلام، مستوى التكبر المشبع به. فأنت صاحب اختصاص محدد، محدود، كما هو واضح من كلامك الدغمائي، وعرضك السطحي، تحكم على العلوم كلها بأنها لا تدخل كلام فلان عن علان. لو كانت الناس تنظر بهذه النظرة لأختلط الحابل بالنابل بل لربما لم يكن لك أنت مكان في الكون. فأنت أو أنا أو غيرنا لن يتقدم لعمل إلا و احتاج لتزكيات من هنا وهناك كلها من بشر، قول فلان عن علان أن هذا الرجل مُجاز في الرياضيات، أو في اللغة. طيب، ستقول لي أحمل شهادة. وهل الشهادة إلا ما شهد به رجال في مؤسسة، من الأفراد طبعا، ثم بعدها يأتي دور شهادات من عرفوك، بأنك خلوق، مواظب، مجتهد، مهني، إذ لو شهدوا بأنك لا ثقة فيك لَما قبل أحد بتوظيفك حتى لو حملت حِمل بعير من الشهادات، إلا أن يكون موظفك جاهلا أو مجنونا. ثم لو اتُهِمتَ بجريمة من الجرائم يظهر من تاريخك و علاقتك بالضحية أنك قد تكون لديك الحوافز لارتكابها، ثم دفعت بأنك لم تكن وقت الجريمة في موقعها، فإن شهادتك لنفسك قد تكون أكثر أثرا لو شهد لك غيرك، وتكون أقوى لو شهد لك أناس معروفون بالإستقامة في معايير المجتمع الذي تحاكم فيه، على خلاف ما إذا كان الشهود معروفين بالإدمان و الإجرام، ثم إن الأمر يكون أسوأ لو كنت أنت معروفا عند الناس أو عند الشرطة بأنك شخص لا خَلاق له.
طبعا، لن أدخل بك في مسائل أساليب التحليل في علم الإجتماع، وعلوم التاريخ، و علم النفس، و غير ذلك. لن أدخل لك في الترجيحات على أساس الأقوال و الشهادات في هذه العلوم، و الإستدلال بالكتابة و غيرها، لانك ستقول بنفس التساهل، و بنفس الكبرياء أنها ليست من العلم في شيئ، فالعلم ربما في مصطلحك هو ما تعلم أنت، لاغير.
مع ذلك لا تنس أنك فزعت أنت أول ما بدر أني أناقشك إلى نقل أقوال رجل آخر، زكيته بإنه عالم متخصص--مع العلم أنك أنت قلت في كلام سابق في تعليق لك أن التزكية حرام وأوردت--في غير مورد-- قول الله عزّ وجل ولا تزكوا أنفسكم! وهذه ليست إلا واحدة من تناقضات جمة تخفيها ثنايا كلامك، مع قلته، ولو أكثرت لبان من عواره ما أوجب عنه غض البصر.
طيب، لو نزعتَ غلاف الكبرياء العلوي الذي تطعن به، لوجدت تحته غطاءً من كِبر آخر، دعنا نُمِط اللثام عنه. إنك في تقريراتك المتسرعة ترى أن كل الأمة بأجيالها المختلفة، أمة من المُغفّلين، وأنك أنت ومن يكبر في نفسك وحدكم غير السذج في الكون. هذا من الكلام الذي يتحاماه العقلاء لأنه هلوسة أو هذيان مجنون.
إن من درَسوا الحديث، و درسوا القرآن و اللغة و كانوا بها أكثر إلماما منك، ما كانوا ليتركوا مجالا فيها إلا ناقشوه، وقد ناقشوا كل المسائل التي تعتقد أنك أنت السابق لها، من كثرة حديث فلان، ومن حفظ فلان، ومن معنى حديث فلان، ومعنى قول فلان درست وحققت ١٠٠ ألف حديث، أيها تعني متن حديث مكرر، وأيها كلام عن أسانيد لنفس المتن. وهي أمور موجودة في كتب الحديث و الرجال لمن أراد أن يرجع لها، بعد أن يتعلم من لغة العرب، ومبادئ الفقه، ومصطلحات الحديث ما ينير به دربه.
وهم لم يدرسوا الحديث كما يبدوا أنك تفهم - جهلا أو تجاهلا - بمعزل عن القرآن؛ بل عرضوا الحديث على القرآن (وهو النص الذي حفظوه هم وتناقلوه هم بنفس العناية و الحب) وعلى ما عرف من عمل الصحابة (وهو أسلوب علمي معروف، يسمى البروزوبوغرافيا)، ومن أجيال التابعين ممن عاصروا ممن عاصر الصحابة رضوان الله عليهم و تعلم على أيديهم. وتعديلهم لقوم لا يعني عندهم بالمناسبة أخذ كل ما قالوا، بل أوردوا ردود الصحابة على بعض، وتصحيح الصحابة لبعض، وسموا مما نسب للصحابة من الحديث شاذا، أو غريبا. إنهم لم يكونوا مشجعي فريق رياضي مخمور كما يتبدى لك.
وعلى خلاف ما تعتقد لم يقبلوا كل حديث، أو كل قول جاء من فلان أو نقل عن علان. -- ثم إن دفعك الرياضي بقصة الأحاديث ٦٠٠٠٠٠ الذي وردت عن البخاري ذكرها، وهي بالمناسبة لا تعني أفراد أحاديث مختلفة متميزة كما فهمت (وهذه من مصائب دخول غير المختصين إلى موضع لا يميزون فيه الأمعاء الغليظة من القصبة الهوائية) فحجتك الرياضية من أن عدد الدقائق التي عاش لا تسمح له بذلك حجة داحضة وكلام غير ناهض، لا يقول به من يفهم في العلم شيئا. أعرف أن الفكرة ليست فكرتك وقد قرأتها مرات و مرات، قبل أن أتعرف عليك، لكني أخشى أن تقبلك لها ونقلك غير المتفحص و غير المتبصر أولى بأن يوصف بالسذاجة من ما تراه سذاجة.
خذ مثلا كتاب جاك شاهين عن صورة العرب في الأفلام الأمريكية، ففيه يذكر أنه قد شاهد ١٠٠٠٠ فلم، وهذا عمل واحد وكتاب واحد لمفكر وأستاذ جامعي له أعمال أخرى ومشاغل كثيرة جمة. وهذه أفلام في بعضها تزيد على الساعتين وفي أقصرها تزيد على الساعة و النصف، ولم يقل أحد أن جاك شاهين لا يمكن أن يكون درّس في هذه الفترة، أو سافر أو نام أو أكل، مع أن الوقت اللازم بالحسابات التي تحسب أنت بها يقترب من ١٢٠٠٠٠ دقيقة. ضف إلى ذلك مئات الساعات التي قضاها في كتابة العمل لكي يترجم ملاحظاته إلى شيء يقرأه الناس، و الوقت الذي قضى في تصحيح و تنقيح العمل قبل أن يخرج. وهي بالمناسبة ليست إلا عملا واحدا أنجزه، لم نحسب فيه أنه درس و حصل على الدكتوراه، بعد أن أكمل الثانوية ومراحل الجامعة المختلفة. ومازال يعيش و يدرس و يظهر على وسائل الإعلام، و ينشر في المجلات الأكاديمية و غيرها. إن السذاجة فعلا هي استغراب تنقيح رجل ٦٠٠٠٠ حديث، مع أن الأحاديث من لغته، وهي جل اختصاصه، وهي في الغالب قصيرة ميسورة القرآءة. إنك لا تعي أن العين المدربة ترى في لحظات ما لا تراه أعين غير المدربين مع طول التدقيق و النظر الشزر،
ثم إنك لوقسمت ما كتب عالم كابن تيمية أو الذهبي، أو السيوطي، على متوسط عدد المفردات في الحديث الواحد لخرجت بملايين الأحاديث، هذا عن الكتابة و هي التي يعرف كل بليد و حديد أنها تتطلب وقتا أطول من مجرد القراءة. بل لو قسمت أنت كل ما قرأت إلى الآن - ومن الواضح من فكرك أنك مقل غير مكثر من القراءة - ثم قسمته على متوسط طول الأحاديث لوجدت أنك قد قرأت ما يوازي مئات آلاف من الأحاديث، ونحن لم نحسب لك لا نومك، ولاأكلك، ولا كسلك، ولا استماعك للمحاضرات، ولا عملك في المختبرات، ولا سفرك، ولا انشغالك مع الأصحاب، ولا أوقاتك في التسوق، ولا تلك التي قضيت على الفيس بوك أو غيره؛ فما بالك بمن كان كل شغله الحديث، وكان فيه مدرّبا، وللغته عارفا، وبأساليبه متمكنا، أتستكثر عليه أن يكون تفحّص آلافا من الحديث، و آلافا من الأسانيد.
إن منشأ علم الحديث هو هذا المنطلق، أي منطلق الشكك--وليس التشكيك-- حتى يحصل التثبت أو غلبة الظن، وهو جوهر ما يدعي علماء الإسلام في عمق فكري يختلف إختلافا بينا عن الأنيميا الفلسفية التي تقرر أنت بها أن الحديث ليس علما دون الرجوع إلى سند إبستومولوجي واضح؛ أقول علم الحديث لانه إسم معروف له في كل كتب التراث الإسلامية، وكل المؤسسات الأكاديمية التي تُدرس الحديث، سواء في الشرق أو في الغرب، وكون أمر ما علما لايعني أن كل ما فيه سليم من الغلط، أو من قصور البشر، أو أنه وحي من الله، لم يقل بهذا قائل، ولا يراه راءٍ نافذ البصر أو البصيرة، ولا يراه أحد في العلوم التجريبية أو النظرية.
إنك على ما يبدو تجهل أساليب أهل الحديث في جمعه و ترجيحه و تجهل قواعد الجرح و التعديل و علم الرجال، الذي لو كنت أخضعت له، لما سألك أحد عن رأيك في الحديث لأنه رأي من لا يعرف فيما لا يعرف، وهو أسلوب تتبعه كل المحاكم و المنظمات و الجامعات و الهيئات، إلا من أراد أن يعرض مسرحية من الهزل. فلن يسألني أنا أحد إلا ممازحا أو متهكما عن رأي في الفيزياء، مثلا.
ففي علم الحديث، يعرض المتن، من معناه و مبناه وأسلوبه على مجموعة من الإختبارات، أولها، أهذه لغة يصح أن تثبت عن النبي، أفيه لحن، أفيه غريبُ سبكٍ، أبه شذوذ؟؟؟؟ ثم يعرض على القرآن، أيعارض نصا، خاصا، أو عاما، ثم يعرض بعد ذلك على الحديث ذاته، بعد ذلك يُدخل في مسألة أسانيده، و يتعامل مع رجاله واحدا واحدا واحدا.
وقضية التزكية بالمناسبة التي تبني منها قُبة، آخر ما يدخل في هذا. في سلسلة الرجال، يُحقّق في هل لقي فلان فلانا، هل كانا في نفس المدينة في نفس الوقت، هل صح عنه أنه تتلمذ عليه، ثم هكذا مع البقية. ثم طبعا تدرس خلفيات الناس؛ أهذا الرجل عرف عنه العلم، و الإهتمام به، أعُرِف عنه الكذب أم لا؟ أعُرِفت عنه المبالغة أم لا؟ أشخص يخاف الله؟ أعُرِف بتحيز إلى فريق أم لا؟ ثم إنه لا يصدّق على الرجل فقط كلام فلان أو فلان، بل لا بد من وجود تواتر – و به جاءك القرآن بالمناسبة - من من شهد لهم الناس بالثقة، بأنهم ثقات. ثم إنه لا يصدق على الرجل من ينافسهم أو ينافسونه في أمور دنيا أو غيرها، كما لا يصدق عليه من كان معهم في حال خصام.
إن هذا النوع من التدقيق المضني و التحقيق الذي يرحل فيه الرجل من مكان إلى مكان، وهذا الميدان الذي دخل فيه آلاف الرجال، وتمَيّز منهم القلة، بالجلَد، و بالصرامة العلمية، بشهادة زملائهم، وطلابهم، و مجتمعهم، ليس عملَ سُذّج كما يحلوا لك أن ترمي.
إن الأمة لم تستيقظ صباحا لتقول، هلا بحثتم عن رجل اسمه البخاري أو آخر اسمه مسلم، أو أحمد بن حنبل أو الإمام مالك، أو من سبقهم في تصنيف الحديث، لكي نقبل كل ما قال. بل لم يزل في كل عمل حديث أقوال لكنها أقوال من أناس لم يصبهم العجل و الكبر، ولا سفّهوا و تفّهوا تخصّصَ الناس، و تحقيقهم، بل سألوا وعملوا في إطار الحديث، مرجِّحين ومُضعِّفين.
طيب، قد لا ترى هؤلاء ثقة؛ تلك مشكلتك أنت، مجتمعهم رآهم ثقة و لا يبالون أغيرهم رآها كذلك أم لا.
هنا من الأهم أن أشير إلى مسألة مما يؤثر سلبا و إيجابا في نقاشات من هذا القبيل في زماننا، من المهم أن تعرف أن المسلمين - لحسن حظنا - عندما رتّبوا و أسّسوا علوم الحديث وعلوم القرآن وعلوم اللغة، وأصول الفقه و غيرها من أدوات العلم، لم يكونوا في موقف ضعف، ولا مكانة مذلة. ولذلك، لم يدفعهم التشويش الثقافي من هذه الثقافة أو تلك إلى الإنتقاء في تقييم النقل، كما لم يكونوا مُتكبرين أو ضيقي التفكير ليحسبوا العقل مطلقا في الإدراك، حرا محصنا من التأطير. بل عاملوه على أنه أداة معرفة، وميزان تمييز، لكن بحدوده وأطره. هذا مما انعدم بين الكثير من مُتثاقِفة العصر، الذين تنقل من كلام بعضهم شذرات هنا وهناك. إنهم قوم هُزِموا في الفكر، وهزموا في الثقافة، فطفقوا يجلدون ذاتهم الثقافية، ويختلِقون لجلدها الحجج، بأسلوب مضحك مبك يخال صاحبه أنه بفعله يظهر عقلية نقدية نافذة، يبنما لا يظهر في الواقع إلا تشوشا في الذهن، وسذاجة من يلعن "سذاجة" الماضين، دون أن يستشعر أحرى أن يتسائل عن مصدر النظارات المشوشة التي يضع على عينيه. إنهم قوم أصابهم الشك المرضي، وليس المنهجي، أو حتى المذهبي، فطفقوا ينفثونه حيث حلوا أو إرتحلوا، فكنتَ أنت وغيرك كثير من ضحاياهم.
وكلامهم بالمناسبة لا يزيد المؤمنين إلا إيمانا، وبالسنة تمسكا، وبحب أجيال السلف وأخلاقهم تعلقا، فكلما إنتهت جولة أو صولة من جولات مرضى الشك، قالو: "الحمد لله الذي عافانا من ما ابتلاهم الله به، لقد كان هذا من باب:
"جحاش الكرملين لها فديد!"
طبعا الكثير مما تنقل هو مما أشاع من يسمون أنفسهم بالقرآنيين، وهم في ورطة، إن قرأوا قول الله تعالى، وأقيموا الصلاة دخل من يرغب منهم في الصلاة في صراع، وبدأ يضرب أخماسا في أسداس، كيف يصلي، كم مرة يصلي، وماذا يقرأ من القرآن، أيجهر أم يسر، أيركع أم يسجد، أم يقفز،أم يحبو، أيجبر سهوا، أم يضرب عنه الذكر صفحا. ورد ذكر الجمعة فكيف يصليها؟ أفردا أم مثنى أم ثلاث أم رباع، أيخطب فيها، أم يغني و يتواجد (بمعنى يرقص بلغة العرب) فيها؟ وإن قيل لهم و آتوا الزكاة، لم يعرفوا لها وقتا ولا مقدارا، و لا نِصابا! لا تقل لي يُؤخذ من التاريخ؛ وهل وُلِد تاريخ الإسلام إلا من رَحِم علم الحديث، وهل عُرِف غث السيرة وسمين قصصها إلا منه؟
طيب، تعال الآن لتُسائل أنت عقلك، ما دمت تؤمن و لله الحمد بالقرآن، لِمَ يكون الله زكّى النبي، بصره، وقوله و أخلاقه، ثم قال لنا أن نتأسّى به، أترى أن هذا الرجل، الذي عاش ٢٣ سنة من الجهاد في سبيل الله وفي تبليغ رسالته، أترى أن هذا الرجل - عليه أزكى سلام الله وصلاته - لم يفعل فعلا، ولم يقل قولا، أم أن أقواله وأفعاله لا قيمة لها؟ وكيف يكون كذلك وقد أمر الله بالإقتداء به؟ من أي باب تُؤخذ أقواله أم أفعاله؟ هل من الحديث، أم من الهلوسة، أم الهيام؟ أم من أسلوب جديد تأخذ أنت به؟ لا تقل لي أن القرآن يقول اليوم أكملت لكم دينكم. نعم، ومنه وهو الكامل الأمر بالإقتداء بالنبي، بأخذ ما آتى و بالإمتناع عن ما نهى عنه!
ثم إنك تدرك - إن لم تكن تدرك فتلك مصيبة - أن القرآن نص يحتاج لتفسير؟ أيُّ الناس ياتُرى أقرب لفهمه وفقهه؟ أليس النبي صلى الله عليه و سلم؟ وهل ثمة في تفسير القرآن أعظم وأصوب من عمل النبي؟ وكيف لنا أن نعرف عمل النبي إلا بعلم الحديث؟
وأخيرا، لقد أوردت في تعليقك الأخير، تذكيرا لي باليوم الآخر و الموقف الجلل بين يدي الله وحيدا يومها--نسأل الله لطفه--وفيه على ما يبدو تحذير من الأخذ بالحديث وما خرج من مشكاة علومه، وقد أبنت لك بعض المعضلات التي يواجهها من لا يأخذون بالحديث ومن ينتقون في الأخذ منه، وهم ليسوا على نفس المرتبة على كل حال، وتمشيا مع منطق القرآن، الذي تدعوا إليه، أقول، ردا بالإحسان على الإحسان، فكر وأعد التفكير من أجل ذلك الموقف الذي ذكرتني به، واختر من شرعك ما يبعدك عن من "يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا"، وأسلك عوضا عن ذلك طريق من "لم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة" فهو طريق سواد الأمة الأعظم، ودعك من شواذ الطرق، و ضيق السبل، فإن الرسول--صلى الله عليه وسلم-- تركنا على محجة بيضاء، عرفها سلف الأمة و تبعهم عليها خلفها، وليست طرقا أحدثتها الأهواء وتطاول الزمن على أهلها.
تعليقات
إرسال تعليق