نوعان من الغوغاء


هناك نوعان من الغوغائية في موريتانيا. غوغائية شعبية تحطم و تكسر بشعور أو بغيره دفاعا عن النبي صلى الله عليه و سلم. و غوغاية فكرية تحاول إستخدام ذلك للتدليل على أهمية تدجين الشعور الديني، لكي لا يقف مسلم منتصبا. 

إن هذا جزء من حرب أكبر، البعض يشارك فيها بوعي و الآخر بغير وعي، وإنما غوت الغوغاء الفكرية فسار غاويا خلفها مطبلا لزعاقها و ناشرا لفكرها.

في مسرحية مهنة مسز وارن يلمح برنارد شو إلى أن دعارة الفكر أخس من دعارة البدن، بنفس المنطق فإن غوائية الفكر أخس من غوغائية العوام.

ثمة حرب بسيطة في الهدف معقدة في الأساليب و هي ليست حربا بالمعنى التقليدي للحرب. إنها حرب نفسية في الدرجة الأولى. 

أساس هذه الحرب هو خلق ثلاث شخصيات إسلامية. شخصية أسلامية منعزلة تعرف المعروف ولا تنكر المنكر، وشخصية متنرفزة متضايقة من كل شيئ، لا ترى إلا صور الدمار و الخراب لديار المسلمين ولهذا تعمد إلى إقتراف ردات فعل غير محسوبة. ردات الفعل هذه تستخدم مرتين. من الغرب لتبرير القتل في ديار المسلمين. ومن الغرب و أتباعه المحليين لكي يظهر أن من يحملون سمتا، ورموزا فكرية أو شعائرية ترتبط بتاريخ الإسلام هم في الغالب متشددون، متهورون، لا يقيمون وزنا للدماء ولا للحياة. طبعا الهدف أن يخوف الشباب و النشئ الصغير من هؤلاء النوع من الناس و ينفرون من كل ما يبدوا إسلاميا أو دينيا.

والشخصية الثالثة هي نموذج المسلم المقبول. هذا شخص، مقبل على أمور الحياة، همه ما يأكل و ما يشرب، لا يهتم بالسياسة على مستوى الأمة، و لا حتى على مستوى القطر إلا بقدر ما تتعلق بمصالحه الفردية، أو مصالح فئته الضيقة. هذا المسلم لطيف و ظريف، و في الغالب مفكر، و فنان، ومقتدر و غير ذلك من الأوصاف التي تكال جزافا. 

الغوغائية الفكرية تقوم بدور أساسي في رسم هذه الشخصيات. حيث تعمل على تتبع كل سقطات المتشددين و نشرها و التعليق عليها، ثم التعقيب عليها مرة أخرى. و في حالة غياب أعمال تشدد أو عنف، تختلقها--وهذا بالفعل ما تعمد له بعض النخب الصحفية في موريتانيا التي تكتب بالعربية و غيرها ومنها من يعمل مع مجلات تابعة للجيش الأمريكي و يكتب بالأنجليزية عن تحركات القاعدة و التشدد في موريتانيا في وقت لا وجود فيه لأي حدث على الأرض، يبرر زوبعاتها. ولا أستبعد أن بعض هذه الغوغاء الفكرية تعمل خلفية لــ، وتنسق مع عناصر تندس بين المتظاهرين فتبدأ عمليات السطو وإلهاب المشاعر ثم الحرق و الإحراق، أو ترفع أعلام القاعدة أو غير ذلك. طبعا بعض هذا يقع دون شك حتى دون مشاركة هذه الجهات. نعم لدينا غوغاء، و متشددون و بطالون، لكن لدينا نخب تبحث عن بعبع، تلعنه لأنها تعيش على اللعن من ناحية و لأنها أيضا جزء من حلقة واسعة--بعضها يعي ما يفعل و بعضها إنما سار مع الركب--لكي يتم تشويه كل ما هو ديني وخصوصا كل توجه ديني يهتم بالشأن العام ويقوم بذلك بطريقة تفهم حقيقة العصر. الغوغاء الفكرية تعارض الصوفية من حيث المبدأ لكنها لا تهاجم إلا الصوفية التي تدخل في المعترك العام. 

الغوغاء الفكرية تعتاش و تنتعش بوجود غوغاء العامة، فعلموا الناس لكي تحرموها من لذة جلد الدين من وراء حجاب. تماما كما تحرق الغوغاء العامية تفسكي وغيرها آخذة الشريك بذنب المشارك و القريب بذنب القريب فإن الغوغاء الفكرية أيضا "تدور خلف الدار و تأخذ الجار بذنب الجار!"

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"تحليل التراث الإسلامي"

هذا الذي جعل الألباب حائرة و صير العالم النحرير زنديقا